خبر عاجلمقالات

إير.ان ودبلوماسية الابتسامات.. أسرار الصفقة الخفية بين واشنطن وطهران

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

إير.ان ودبلوماسية الابتسامات.. أسرار الصفقة الخفية بين واشنطن وطهران

محمد الحسيني

يروى أن عاملاً في أحد معامل السكر، عاد إلى بيته مساءً وطلب من زوجته إعداد الشاي، ولما أحضرته فوجئ الرجل أنها لم تحضر السكر، فضحك الزوجان بشدة لدرجة البكاء، فهو يعمل في معمل السكر ولا يوجد لديه سكر في المنزل، فقال: “شر البلّية ما يضحك”، وذهبت هذه العبارة الشهيرة مثلاً يردّده الناس حينما يواجهون موقفاً مأساوياً يدفع للضحك مع أنه يختزن الحزن والأسى.. وكثيراً ما ينطبق هذا المثل على كثير من التحليلات والمقالات التي تناولت الضربة الإيرانية التي أذّلت “إسرائيل” في 14 نيسان، وجاءت بمضامين و”اختراعات” يندر أن نجدها في روايات “ألف ليلة وليلة” أو حتى في أفلام الكرتون الخيالية.
صلب الموضوع أن إيران انتظرت أياماً قبل أن ترد على اغتيال “إسرائيل” لضباطها الكبار في قصف القنصلية الإيرانية في دمشق، وخلال هذه الفترة كانت المواقف من أعلى هرم القيادات السياسية والعسكرية في طهران وعلى رأسها المرشد السيد علي الخامنئي تؤكد أن الضربة آتية لا محالة.. وحصلت الضربة بضخامة وقوة بما لم يتوقّعه أحد، مع العلم أن الاجتياح الجوي غير المسبوق في تاريخ الحروب، والذي كسر أكثر من أربعين عاماً من “تابو” الأمن الإسرائيلي، لم يكن سوى بروفة أوّلية بمسيّرات وصواريخ بدائية وبعض صواريخ “كروز” محدّدة الأهداف، وفق ما صرّح به المسؤولون الإيرانيون، والرسالة تفيد لمن يعنيه الأمر أن الصبر الاستراتيجي قد انتهى أمده، ونحن اليوم أمام قواعد اشتباك جديدة بشروط تضعها طهران ولا أحد غيرها.
أيقن الجميع وعلى رأسهم تل أبيب وواشنطن، أن إيران لم تكن تمزح أو تمارس لعبة التصريحات الإعلامية لتسجّل نقاطاً وهمية في سياق “المنازلة”، وسرعان ما بدأت التحليلات التي وهّنت من أثر الردّ الإيراني، واللافت أن غالبية، إن لم نقل كل التحليلات، جاءت بحروف عربية، فيما التعليقات والمقالات الأمريكية والإسرائيلية على وجه الخصوص أجمعت على خلاصة مفادها: “فعلتها إيران ومرّغت رأس أمريكا وإسرائيل في الوحل”، ولم تدُم طرفة الـ 99 بالمئة (نسبة إسقاط الصواريخ والمسيرات) طويلاً حتى أظهرت الصور والمعلومات حقيقة الخسائر التي لحقت بالمواقع المحدّدة في الاستهداف الإيراني، لتنتقل البليّة المضحكة إلى طور آخر من الإبداع لتقول إن الرد الإيراني جاء بعد “قبّة باط” أمريكية، وكأن واشنطن أرادت بذلك تأديب بنيامين نتنياهو “المتمرّد” على الأوامر الأمريكية بكسر شوكته والإمعان في إذلاله، ولكن هذه المرّة بعصا إيرانية !!!
واقع الأمر أن حكومة نتنياهو استنفرت للردّ على العقاب الإيراني، وأطلق مسؤولوها تهديدات صارخة برد مزلزل، فما كان من وزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكن إلا أن قدّم “نصيحة للحكومة الإسرائيلية بأن أي رد غير محسوب على إيران ليس في مصلحة الولايات المتحدة وليس في مصلحة إسرائيل”، أما بايدن فقد ابلغ نتنياهو بأن بلاده لن تشارك في أي هجوم إسرائيلي مضاد رداً على هجمات طهران، مشدّداً على أن “واشنطن ستواصل دعم إسرائيل دفاعياً ولا تريد أي حرب مع إيران”، ومردّ ذلك نابع من تخوّف بايدن من مغامرة إسرائيلية خاسرة تحوّل المنطقة إلى جحيم، فيتوقف ضخ النفط، وينهار الاقتصاد العالمي ومعه المصالح الأمريكية..
وأخيراً وبعد طول تردّد تمخّض الجبل فولد فأراً، وتقزّمت الطائرات إلى “درونات” أطفال جالت في أجواء أصفهان وسقطت، ولم تجرؤ “إسرائيل” حتى اليوم أن تعلن مسؤوليتها عن هذه اللعبة وفشلها!!
كنا ننتظر من أصحاب الأقلام العجيبة أن يخرجوا ليقولوا إن هناك اتفاقاً ضمنياً بين واشنطن وطهران لترويض نتنياهو وإعادته إلى بيت الطاعة الأمريكي، ولكن الذي قيل إن هناك مقايضة حصلت بعدم رد “إسرائيل” على إيران مقابل موافقة أمريكية على اجتياح رفح، ولكن سرعان ما جاء النفي قاطعاً من واشنطن، فهل كان هذا النفي مدرجاً أيضاً في سياق الاتفاق الضمني؟! ولعلّ الرئيسين الأمريكي جو بايدن والإيراني إبراهيم رئيسي كانا يبتسمان في هذه الأثناء، فقد نجحت الخطة في إذلال نتنياهو وتخلّصت واشنطن من عبء التدخّل المباشر، ولكن بما أن الحبل أصبح على غاربه في دكّ “إسرائيل”، فمن يضمن أن تتفلّت طهران من الاتفاق مع واشنطن وتكرّر إذلال “إسرائيل” مرّة أخرى؟! فعلتها أبريل غلاسبي ذات مرة وابتسمت لصدام حسين فاجتاح الكويت، فمن يضمن أن تكون ابتسامة بايدن لرئيسي مؤشر موافقة لقيام دول المحور بقيادة إيران باجتياح “إسرائيل” وإزالتها من الوجود؟! فعلاً إن شر البليّة (في التحليلات السياسية) ما يضحك، ويؤسف.
لا يختلف اثنان، عاقلين أم معتوهين، على أن “إسرائيل” هي القلعة الأمريكية في قلب المنطقة، ومن غير المسموح المساس بها في أي بعد من الأبعاد، أما إيران فهي الخصم – العدو الذي لم يتخلّ يوماً عن شعاراته بأن “أمريكا الشيطان الأكبر” وأن “إسرائيل غدة سرطانية ويجب إزالتها من الوجود”، واللابراغماتية في هذه الشعارات وضعت إيران تحت مقصلة الحروب والعقوبات والحصار المستمر منذ أكثر من أربعين عاماً، ولو أرادت فإنها كانت قادرة على الاستجابة للإغراءات الأمريكية لها فتصبح الشريك الأول للغرب في السيطرة على المنطقة والسيّدة عليها بلا منازع، ولكنها كانت السبّاقة في رفع راية الدفاع عن القضية الفلسطينية وتحرير فلسطين ومواجهة قوى الاستكبار في المنطقة، وكانت وما تزال تدفع الأثمان الباهظة لقاء مواقفها الثابتة هذه.
ذات مرة زار الرئيس الصيني دينغ شياو بينغ – الرئيس القزم وفق التسمية الأمريكية – واشنطن، وارتدى قبعة الكاوبوي ومارس اللعب في مدينة ديزني لاند وسط ابتسامات وقهقهات المسؤولين الأمريكيين الذين رأوا في الرجل طفلاً كبيراً، وأعرب دينغ آنذاك عن إعجابه بالولايات المتحدة وفكرة الديمقراطية، ولكن بعد حوادث “تيان أن مين” الدامية عاتبه الرئيس جورج بوش وذكّره بموقفه المؤيد للديمقراطية وحرية الرأي، فابتسم بينغ وقال: “صحيح.. أنا أيّدت الديمقراطية.. ولكن عندكم وليس في الصين”، وبعد فترة قصيرة قام دينغ بخطواته الأولى نحو تطبيع العلاقات مع الاتحاد السوفييتي.
وللمناسبة فإن الدبلوماسيين الإيرانيين مشهورون باتباع دبلوماسية الابتسامات، وكان أشهرهم في ذلك وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي نجح بعد مفاوضات مضنية في إلزام القوى الكبرى التوقيع على الاتفاق النووي عام 2015، وكتب في مذكراته: “عليك أن تبتسم دوماً في الدبلوماسية، لكن لا تنس أبداً أنك تتحدّث مع عدو”.. ظريف نفسه المبتسم دوماً، وقبل مغادرته موقعه في الخارجية الإيرانية، حضر عشاءً نظمه مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي في واشنطن، وقال له مارتن إنديك وهو الصهيوني المتشدّد آنذاك: “سنفتقدك كثيرًا”، فابتسم له ظريف، وبعد أيام زار بيروت والتقى الأمين العام لحزب الله السيد نصر الله، وقصد روضة الشهيدين ليضع الورود على قبر الشهيد عماد مغنية.

إعــــــلان Simplify card | Digital Business Cards

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى