أسامة سعد.. حارس صيدا وعروبتها
كتب زياد عيتاني في اساس ميديا
هو حارسٌ لصيدا وعروبتها عند بوّابتها الجنوبية. يجلس أسامة سعد في مكتبه الواقع في مبنى يضمّه والمحكمة الجعفرية. هو المبنى الأخير الفاصل بين المدينة وجيرانها من قرى الزهراني حتى تخاله حاجزاً لجيش التحرير الشعبي – قوات الشهيد معروف سعد أيام الحرب الأهلية.
“صيدا لم تسقط اليوم ولن تسقط في المستقبل. اعتادت هذه المدينة الصمود عبر التاريخ حتى باتت تلك صفة من صفاتها…”. يتحدّث أسامة سعد عن صيدا كشاعر يتغزّل بمعشوقته: “صيدا ليست عاصمة للجنوب، منحةً من أحد أو هديّةً أُعطيت لأهل صيدا. هي عاصمة الجنوب عن جدارة. احتوت الجميع، واحتضنت الجميع في السرّاء والضرّاء. احتضنت الشيوعيين عندما اضطهدوا. واحتضنت الحزب عندما قُمع عناصر الحزب في إقليم التفاح والجنوب. واحتضنت فلسطين وقضيّتها عندما تخلّى الكثيرون عنها. وقاومت الاحتلال الإسرائيلي عندما احتلّ الجنوب عام 1982. وصمدت وقدّمت الشهداء، وقالت للصهيوني في هذه المدينة لا يمكنك العبور بسلام. هي عاصمة الجنوب عن استحقاق، فأيّ مدينة جنوبية أخرى تستحقّ أن تكون عاصمة للجنوب؟!”.
ينظر أسامة بعينيه الصغيرتين بحزم وجزم فيقول: “لا يمكن التعامل مع صيدا من الزاوية الأمنيّة البحتة على أنّها طريق للجنوب فقط. هي ليست ممرّاً أو معبراً، بل يجب التعامل معها من موقع الوفاء والإدراك لحقيقة أنّها حاضنة جنوبية للتنوّع والتعايش، وصلة الجنوب بالعروبة والوطنية”.
أسامة سعد والعروبة
إشكالية أسامة سعد أنّ ميزته وأزمته مع الطبقة السياسية يميناً ويساراً أمرٌ واحدٌ لا غير، وهو أنّه عروبيّ حتى العظم. يتعامل الآخرون من كلّ الأطراف السياسية مع العروبة كشعار، إمّا للتسويق ومجرّد التسويق، أو للاستهداف كحقدٍ تاريخي وكيديّة. فيما يتعامل أسامة سعد مع العروبة على أنّها الهويّة: “العروبة هويّتنا، وقد كُرّس ذلك في الدستور عبر اتفاق الطائف. وعندما تسقط، نسقط معها جميعاً كأوطان وأحزاب وتيّارات ومجتمعات وأفراد”.
لا ينظر أسامة إلى ما سُمّي بحركة الانشقاق عن التنظيم الشعبي الناصري بأهمّية وقلق. بل هو مطمئنّ إلى أبعد الحدود
يضيف: “العروبة فقط هي التي تجمعنا بكلّ أطيافنا ومعتقداتنا الدينية. هي الخيط الجامع لبناء أوطاننا، وهي لا تتناقض مع هويّتنا الوطنية، لا بل تمنحها حصانة وقوّة وحماية…”.
العروبة عند أسامة سعد ليست تفصيلاً عابراً. بل هي السُلّم الذي توضع على درجاته باقي الأولويّات. من يقترب منها، يقترب منه. ومن يبتعد عنها، يبتعد عنه. هذا ما يجعل القضية الفلسطينية قضيّته الرئيسية بعيداً عن المحاور والاستتباع. صور الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تظلّل كلّ الأمكنة عند أسامة سعد. يرى أنّها الصورة السرّ لأنّها الصورة الباقية الوحيدة التي تجتمع حولها الأمّة. وهي الصورة الوحيدة ذات الهويّة الإقليمية وليست المحلية بمواجهة الصور الأخرى.
القطيعة الكاملة
عندما تسأل أسامة سعد هل انكسرت الجرّة بينه وبين الحزب، معتقداً أنّك تضعه في موقف حرج، لا يتهرّب من الإجابة، ولا يلتفت إلى رفاقه الحاضرين بحثاً عن معونة للإجابة. بل يردّ دون مواربة وبشفافية مطلقة: “هناك جفاء منذ عام 2019 واقتصرت العلاقة على المناسبات الاجتماعية. يشاركوننا في بعض مناسباتنا، ونشاركهم في بعض مناسباتهم. واليوم هناك قطيعة كاملة فلا تواصل ولا اتّصال”.
يضيف: “بدأت الأزمة عام 2019 حول رؤيتنا لثورة 17 تشرين. نحن رأينا فيها صرخة شعب، وكان واجبنا حماية شباب المدينة الذين ساندوا الثورة في ساحة إيليا. ثمّ كانت الانتخابات النيابية عام 2022 فأردنا أن لا ندخل بأيّ لائحة توجد فيها السلطة الفاسدة. فرفضنا التحالف مع التيار العوني، كما لم نتحالف مع القوات اللبنانية، وشكّلنا لائحة تشبه المدينة وجوارها، وحقّقنا الانتصار. كما وقعت حوادث عديدة قبل ثورة 17 تشرين، ومنها عندما رفضنا الانخراط في أحداث 7 أيار، واعتبرنا منزل السيّدة بهية الحريري كأنّه منزلنا، والاقتراب منه ممنوعاً. هذه هي مواقفنا. نحن لم نتغيّر منذ اللحظة الأولى. ربّما مواقفنا التي كانت تناسب البعض في فترات معيّنة لم تعد تناسبه في هذه الفترات”.
إشكالية أسامة سعد أنّ ميزته وأزمته مع الطبقة السياسية يميناً ويساراً أمرٌ واحدٌ لا غير، وهو أنّه عروبيّ حتى العظم
أفادونا ولم يضرّونا
لا ينظر أسامة سعد إلى ما سُمّي بحركة الانشقاق عن التنظيم الشعبي الناصري بأهمّية وقلق. بل هو مطمئنّ إلى أبعد الحدود. ما حصل أفادنا ولم يضرّ بنا. لقد كانت هذه الهمروجة سبباً لشدّ العصب داخل التنظيم وفي المدينة. وقد لمسنا ذلك جيّداً. كما كان مناسبة لإعادة التواصل الناصري في لبنان. وهو أمر يمكن البناء عليه.
تسأل أسامة سعد قبل أن تودّعه عن الأمل يبتسم كعادته قائلاً: “أحياناً أشعر أنّني وحيد. وأحياناً عندما أكون في صيدا أشعر بالسند والعزوة. لكن مهما كان الشعور، فسنبقى نقاوم ونقاتل من أجل لقمة الناس وكرامتهم وعزّهم وعروبتهم، من أجل هزيمة إسرائيل وتحرير القدس، من أجل مساندة الشعب الفلسطيني الذي ما بخلنا عليه يوماً وما بخل علينا بدوره يوماً”.