أبعد من غزة، أوسع من لبنان – أحمد جابر
أحمد جابر / مناشير
أفصح طول مدة الحرب على غزة، ومن ثم على لبنان، عن حقيقة الأهداف التي تقف خلف تطاول ليل الاشتباك” الدامي، الذي ما زال يتدحرج فوق الجسدين، اللبناني والفلسطيني.
المقروء الآن في دفتر الحرب هو عنوان إعادة تشكيل الوضع العربي أولاً، ومن ثم ربط هذا التشكل بما يحيط به جوار قريب، ومن ارتباط دولي بعيد لن يذهب الظن بالتشكيل إلى حد ملامسة المس بالجغرافيا، في لبنان مثلاً، لكنه سيطال بالقص الجديد، البقية الباقية من فلسطين، وسيطال لملمة شظايا الانشطار الذي أصاب السودان، ونال من ليبيا، بعد أن سبقهما الصومال إلى التوزع على صومال “تراب” و “أرض صومال”.
الدليل، الذي لا يعانده واقع، إلى حقيقة الهدف أو الأهداف الخارجية، يدعمه مظهران الأول غربي بقيادة أميركية، والثاني إسرائيلي بقيادة “توراتية” سياسية، تتوسل الأسطورة والنص والادعاء ، سبيلاً لتغطية حرب الإبادة التي تقودها، من دون خوف من مساءلة، ومن دون إدانة أو عقاب.
وضع المسألة القتالية في إطارها الحقيقي، ينقل الحسابات السياسية من المحلية الضيقة، في الحالة اللبنانية، وينقلها من الفضائية المقيتة”، في الحالة الفلسطينية، ويضع أهل الحالتين في مواجهة الحسابات الوجودية “الكيانية” التي تقتضي حكمة ودراية ومراقبة الموازين القوى، وتقتضي قراءة للظروف المندمجة، دولياً وإقليمياً وعربياً، وهذه يجب أن تكون قراءة دقيقة، تستدرك آفة “خفة” الحسابات التي حَكَمَتْ أبناء قرار طوفان الأقصى”، مثلما تُلَمْلِمُ آثار استسهال أبناء قرار الإسناد، الذي أخذهم الطوفان” بأمواج تداعياته.
في السياق أعلاه، ما الذي يجب الوقوف أمامه ملياً، في محاولة لفهمه ولتفكيك بنوده، ثم في سعي لإعادة تركيبه كتمهيد ضروري لتحديد أساليب التعامل معه، في الحالة الدولية كما في حالة الميادين مع العدوانية الإسرائيلية.
في الحالة الأميركية:
وكان للمفكر الأميركي، أن نسخة “الدمقرطة” الخلاقة، لا تتحقق من خلال قصف عمران البلاد، ولا من خلال العصف بالبنيات الموروثة للعباد. الدرس الذي استفاد منه “الغازي” الأميركي، هو درس الانتقال من الغزو الجغرافي المباشر، إلى الغزو “الهيمني” غير المباشر، وإلى سياسة تحقيق النفوذ العام من خلال أكثر من نظام وكيل
ما الصورة الحالية على أرض فلسطين ؟ لا تقاس النتائج بديمومة الاشتباك، إذ أنه من طبائع الأمور أن تستطيع الدولة الفائقة القوة تدمير بلد ما واحتلاله، لكنها لا تستطيع استطراداً، فرض السكينة عليه، والاستقرار فيه هذه الخلاصة مستقاة من واقع التجربة البعيدة والقريبة، ومن الميادين الصينية والفيتنامية والأفغانية والفلسطينية واللبنانية. هذه الخلاصة، التي تجمع بين الاحتلال وعدم الاستقرار، لا تعني فشلاً للعدو، بقدر ما لا تعني انتصاراً للصديق، وعليه يجب أن نبحث عن إمكانية الربح الممكن في مجال آخر.
فلسطينياً، ليس لنا إلا تداول بعض الأسئلة التي تحتمل مقاربة لبعض الأجوبة من الأسئلة: هل قريت حرب غزة مطلب حل الدولتين أم جعلته أكثر ابتعاداً؟ وإذا حصل الاقتراب من دولة فلسطينية، فأي فلسطين هي المقصودة بتلك الدولة؟ هذا بعد أن أعيد احتلال غزة، وبعد أن قضم الاستيطان مساحات واسعة من الضفة الغربية، وبعد أن ارتفعت الأصوات التي تناي بضمها إلى ما جرى اغتصابه من أرض فلسطينية الراجح سياسياً، ودائماً حسب التفكر السياسي بالأمر، أن الدولة ابتعدت، وأن ابتعادها شحنته التداعيات التي أطلقتها عملية طوفان الأقصى غير المحسوبة بدراية سياسية راجحة.
إن إعطاء عنوان إسناد غزة لتدخل المقاومة اللبنانية كان غير صائب سياسياً، وكان ممكناً تقديم الأمر في صيغة لبنانية عنوانها تطبيق القرار 1701 كاملاً، واستكمال تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة، في مزارع شبعا، وفي بعض النقاط الحدودية
الصورة الحالية في لبنان:
على رغم مرارة الأيام اللبنانية، في الجنوب حيث مسرح الاشتباك المباشر، وعلى امتداد الجغرافيا اللبنانية، حيث يصل سلاح العدوان على رغم ذلك، يجب عدم الامتناع عن القول إن إعطاء عنوان إسناد غزة لتدخل المقاومة اللبنانية كان غير صائب سياسياً، وكان ممكناً تقديم الأمر في صيغة لبنانية عنوانها تطبيق القرار 1701 كاملاً، واستكمال تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة، في مزارع شبعا، وفي بعض النقاط الحدودية. العنوان اللبناني هذا كان من شأنه سحب تشكيلات عسكرية إسرائيلية نحو 25 أي أنه كان من شأنه تقديم الإسناد للمقاومة في غزة، في ظلال عنوان شرعي لبناني، متوافق عليه محلياً ومعترف به دولياً، هذا الأمر كان كفيلاً بتجنب حرب “التزيح” على جانبي الحدود، وربما كان كفيلاً بعدم إقدام العدو على ما يقدم عليه الآن من استهداف للسكان والعمران وللمقومات الاقتصادية والمعيشية التي تنال من استقامة حياة الكتلة الأهلية الشيعية، ومن استقامة سائر الكتل الأهلية واللبنانية.