تفاصيل قضية الشيخ أحمد الرفاعي و “إذلال” عائلته
فتات عياد
بعد عامين على جريمة قتل الشيخ أحمد شعيب الرفاعي ابن بلدة القرقف العكارية، وصدور القرارين الظني والاتهامي اللذين جاءا مطابقين، لناحية اتهام رئيس البلدية يحيى الرفاعي وابنه علي وأولاد أخته بخطف الشيخ أحمد بهدف القتل العمد، وعلى الرغم من اقتراب حكم محكمة الجنايات في الشمال بالقضية، لم تكن العائلة التي تنتظر العدالة لابنها، تعاني من مصاب خسارتها وحسب، بل أيضاً من الأذى المستمرّ بحقها طيلة هذه المدّة، عبر دعاوى كيدية لا صحة لها من رئيس البلدية المتهم، يحرّكها من داخل السجن، تسبّبت في توقيف عدد من أفراد العائلة والبلدة، حيث وصلت وقاحة القاتل، إلى توقيف أشقاء الشيخ وابنه غيث، بدعاوى “تكسير وخلع” و “حرق منزله”، وكل ذلك بهدف إذلال العائلة، ومقايضة “حرية” أبنائها بـ “إسقاط الحق” بالقضية.
“تركنا الدولة تاخدلنا حقنا، شوفوا الدولة شو عملت فينا… ما في عدل”. تقول زبيدة الرفاعي شقيقة الشيخ أحمد الرفاعي التي تم سوق مذكرات توقيف بحق أبنائها، واليوم هي ممنوعة عن إيصال الطعام لأخيها الذي تم توقيفه منذ أيام لدى الشرطة القضائية في حلبا، “ما بقي إلا أبي ما تم توقيفه”. إذ لم يسلم أهل الضحية من شرور يحيى الرفاعي إلى اليوم. فحتى قضبان السجن لم تردعه عن الأذى، عبر دعاوى يسوقها منذ عامين بحق أفراد العائلة، ويديرها عبر هاتفه من داخل سجن رومية.
وهذه الدعاوى لم يكن لها تأثير لو لم يستفد رئيس البلدية من مذكرة توقيف غيابية بحق أفراد العائلة، في قضية قديمة، اتهموا فيها بإشكال مسلّح وبني قرار القاضي حينها على شهادة وحيدة، لمنذر الرفاعي، الذي عاد ليفيد “بكذب” إفادته التي أخذت “تحت التهديد” بعد سجن رئيس البلدية. إفادة شهد فيها زوراً – باعترافه – بأن غيث الرفاعي، ابن الشهيد، كان عمره 16 عاماً، ويعالج من السرطان في حينه، كان في الإشكال يومها ومسلحاً، وهو ما تسبب في توقيف يحيى الرفاعي لغيث بعد قتله والده، وابتزازه بـ “القبول بإسقاط الحقّ الشخصي مقابل حريته”.
لكن ليس غريباً على رئيس بلدية محظيّ “قتل القتيل ومشى في جنازته”، ويكيل بيانات ضد العائلة من هاتفه داخل السجن، ألا يكون لبطشه بحق هذه العائلة سقف أو حدّ.
رئيس البلدية الذي “باع مشاعات الدولة”
“أنا ربكم الأعلى” بهذه الجملة يختصر أهالي بلدة القرقف في عكار، رئيس البلدية وممارساته وانتهاكاته في البلدة. فيحيى الرفاعي لم يكن أقوى من الدولة وحسب، بل وصل به الأمر لـ “بيع مشاعاتها”، البلدي منها والجمهوريّ، بغضّ نظر منها!
فقد كان يبيع المشاعات، بعشرات آلاف الدولارات، لأبناء من البلدة أو من بلدات مجاورة، وحصّل من ذلك ثروة على مرأى من الدولة. وكان يستعين بتهديد أهالي البلدة الرافضين لذلك، من شبان مسلّحين من قرى مجاورة.
دفع الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، ثمناً باهظاً، لإعلاء الصوت في هذا الملفّ، إن لناحية بيع المشاعات أو جلب مسلّحين للاستقواء على أهل البلدة، وعوض أن تنصفه الدولة التي كان يدافع عن مشاعاتها، كان النفوذ السياسي لرئيس البلدية أقوى.
وجاء القرار الاتهامي للهيئة الاتهامية في الشمال، برئاسة القاضية سنية السبع، ليؤكد القرار الظني الذي أصدرته قاضية التحقيق الأولى في الشمال سمرندا نصار في جريمة خطف الشيخ أحمد شعيب الرفاعي وقتله عمداً.
وبنتيجة التحقيقات الأوليّة التي قامت بها شعبة المعلومات، تبيّن أنّ علي الرفاعي، ابن رئيس بلدية القرقف، الشيخ يحيى الرفاعي، “تجرّع حقد والده على منافسه لرئاسة البلديّة الشيخ أحمد شعيب الرفاعي ودخل في دوّامة خلافاتهما المزمنة والتي وصل بعضها إلى القضاء.
واتفق الوالد والابن على استدراج الشيخ أحمد لتنفيذ مشروعهما الإجراميّ ضدّه”. ما تجلّى باستدراجه وخطفه وقتله.
واعتبرت القاضية نصار في القرار الظني أنّ فعل المدعى عليهم: يحيى عبد الكريم الرفاعي وعلي يحيى الرفاعي ويحيى محمد الرفاعي وعبد الكريم محمد الرفاعي وأحمد محمد الرفاعي من نوع جنايتي المادتين 549 و569 من قانون العقوبات وظنت بهم بجنحة المادة 72 من قانون الأسلحة، وبإيجاب محاكمتهم أمام محكمة الجنايات في الشمال واتباع الجنحة بالجنايتين للتلازم.
زبيدة الرفاعي: نحنا مظلومين بدنا حدا يوقف معنا
“شالوا علينا دعاوى كلا كذب، رئيس البلدية قتل خيي الشيخ أحمد ومشي بجنازته. نازلين فينا دعاوى كذب وافتراء والدولة عم بتصدقن وتطلبنا وتوقفنا نحنا”. بس توصل إنن يحبسوا إخوات وابن الشهيد؟ بعد في أبي ما حبسوه!”… تقول شقيقة الضحية الشيخ أحمد، زبيدة الرفاعي.
“تركنا القضية للدولة، شوفوا الدولة شو عملت فينا… ما في عدل”. تضيف زبيدة، التي تم إصدار مذكرات توقيف بحق عدد من أبنائها. “ابني علي منو عامل شي أبداً.. نحنا مظلومين بدنا حدا يوقف معنا، حالتنا حرجة جداً، ما عم نلحق نازل فينا القاتل استدعاءات، وحبس لإخوات الشهيد، وذل إلنا”.
وتحمّل زبيدة الاستدعاءات “لدولتنا”. “فهل يعقل أن يتم توقيف غيث ابن الشيخ أحمد؟ هو كان قاصراً يوم وفاة أبيه، وأخذته والدته لمنطقة المنية حيث عاش فيها عاماً كاملاً لإبعاده عن البلدة، وحمايته. فهل يجوز أن يتهم بخلع وكسر بيت رئيس البلدية المجرم؟”. تضيف “ابن أخي طالب جامعة، عليه 4 مذكرات توقيف بحقه مش حرام؟ كل مذكرة كنا ندفع فيها كفالة 2000 دولار؟”.
أما شقيق زبيدة ابراهيم فهو اليوم موقوف في الشرطة العسكرية في طرابلس. تقول زبيدة “وقفوه أول يوم رمضان، ومنعونا من إنو نجبله أكل وشرب، فهل من يرأف بنا في الدولة ويعيد أخي لنا؟”.
مصدر متابع للملف: مذكرة توقيف بنيت على “باطل”
مصدر مطلع على المسار القضائي للدعاوى، يُفضّل عدم ذكر اسمه، يصف رئيس البلدية بـ “الملعون الذي يستغل علاقاته والمال الذي حصّله من بيع مشاعات البلدة، ويوظفها بدعاوى ضد عائلة الضحية”. وهو ما مكّنه من كيل الأذى بحقّهم، عبر استدعاءات لا حصر لها، وتوقيفات لأهالي الشيخ أحمد شعيب الرفاعي، وصلت لتوقيف أفراد العائلة عند حواجز الجيش، ودفع كفالات إخلاء سبيل بآلاف الدولارات في لحظة، والذلّ لأشهر لاستردادها.
هذه الدعاوى “اللي بلا طعمة، مثل حرق بيته وتكسيره وتخريبه…”، أصبحت ذات فاعلية مضاعفة، مع وجود مذكرة توقيف غيابية قديمة حصلت قبل الجريمة بسنوات، في قضية “إشكال مسلح”، بحق غالبية من رفعت بحقهم دعاوى حديثة بعد الجريمة، حيث لم يذهبوا للمخفر بعد إصدار قاضي التحقيق رامي الحاج قراره رقم 191 بتاريخ 30/12/2021، فكثرت الملاحقات بسبب وجود مذكرة توقيف سابقة، وأصبحت بحقهم عدة مذكرات توقيف غيابية، وتم توقيفهم لدى حواجز الجيش، وإذلال العائلة.
دعاوى كاذبة و “منع محاكمة”
إحدى تلك الدعاوى، سيقت بحق شقيق الشيخ أحمد، محمود شعيب، الذي صدر “منع محاكمة” بحقه وليس إخلاء سبيل فقط، ما يثبت زيف ادعاءات رئيس البلدية.
تقول زبيدة “11 عاماً وأخي في ألمانيا خارج لبنان، يأتي لبلده، فاقداً أخيه الذي قتل، ثم يتم توقيفه في المفرزة القضائية في حلبا بتهمة إحراق منزل قاتل أخيه… بعد ما انقتل أخي، الدولة عم تبهدلنا وتحبسنا”.
استعيض يومها عن توقيف محمود الرفاعي، بمعنى احتجازه، بكفالة مالية قيمتها مليار ليرة (11 ألف دولار)، حيث استعاضت قاضية التحقيق جوسلين متى عن توقيفه بكفالة. واستُردت الكفالة بعد قرار “منع المحاكمة عنه”، لكن بعد ذلّ كبير، بسبب إجراءات استرداد الكفالة، والتي تبقى ربما أسهل من ذلّ جمعها!
أما علي ابن زبيدة الرفاعي، فحالته كعمه الموقوف اليوم، إبراهيم شعيب الرفاعي، وكحالة غيث: توقيفهم يحصل بسبب مذكرة توقيف غيابية قديمة، ومذكرات مستحدثة كنتيجة للدعاوى الجديدة.
مذكرة التوقيف القديمة: الشاهد يطعن بشهادته
في 3/1/2022، ادّعى قاضي التحقيق في لبنان الشمالي أحمد رامي الحاج، على 21 شخصاً، بينهم الشيخ المرحوم أحمد شعيب الرفاعي وابنه غيث وعدد من أفراد عائلته ضمنهم أخوه محمود وابن أخته علي الرفاعي (ابن زبيدة).
جاء في القرار يومها أنه تم حشد أنصار مسلحين من طرفي النزاع أحمد شعيب الرفاعي ويحيى الرفاعي بسبب قدوم “علي أبو النهر” من بلدة مجاورة وهو من طرف يحيى الرفاعي، لبلدة القرقف.
لكن واقع الحال كما يصفه أبناء البلدة اليوم، أن الشيخ أحمد جمع مظاهرة ضد دخول علي أبو النهر وجماعته المسلحة التي كان يستقوي بها يحيى الرفاعي، لترد المجموعة بدورها بإطلاق النار في الهواء رداً على مظاهرة منع دخولها.
بنيت كل الاتهامات بحمل السلاح يومها على شهادة واحدة، لمنذر الرفاعي. ومنذ ذلك اليوم، صدرت مذكرات توقيف غيابية، بناء على القرار الظني للقاضي أحمد رامي الحاج، الذي لم يكن لديه دليل يستند إليه وفق أحد المحامين المطلعين على الملف، غير إفادة هذا الشخص.
وهنا بيت القصيد، فبعدما “ضعف” رئيس البلدية وضعف نفوذه وضعفت “بلطجته” في البلدة، خلف قضبان السجن، تجرأ الشاهد أخيراً، على “إراحة ضميره” والإقرار لدى الكاتب العدل “بعدم صحة إفادته”.
ليس هذا وحسب، بل أقرّ بأنها حصلت تحت التهديد والضرب والتوقيع بالإكراه في مخفر برقايل، الذي تتهم عائلة الشهيد، قاتل ابنها، بأنه “شاري المخفر”.
الشاهد يكذّب شهادته
الشاهد الوحيد الذي استند القاضي لشهادته، كان منذر خضر الرفاعي. وفي 2 حزيران 2023، عاد منذر الرفاعي ليطعن بإفادته المضبوطة بموجب محضر التحقيق الأولي المنظم من قبل مخفر درك برقايل بالدعوى رقم أساس نيابة عامة في الشمال 2152/2021 العالقة أمام الهيئة الاتهامية برقم 1282/2022.
ويقول “هي غير صحيحة وأتراجع عنها كونها قد أخذت مني تحت وطأة تهديد المدعو علي يحيى الرفاعي ابن رئيس بلدية القرقف، الذي هدّدني بالقتل وأيضاً تحت وطأة الضرب والضغط عليّ من قبل عناصر مخفر درك برقايل الذين دوّنوا الإفادة وأجبروني على التوقيع عليها.
ولم يكتف بهذا الاعتراف بل أضاف “بعد توقيف علي الرفاعي ووالده بجريمة قتل وزوال الخطر الذي يتهدّدني منهم، جئت بهذا الإقرار لأدلي بحقيقة ما جرى معي يوم الحادثة موضوع الدعوى”، ليتبيّن أنه كان نائماً في ذلك اليوم في السيارة في محلة الإشكال، ثم سمع طلقات نارية لكنه لم يشاهد شيئاً!
صورة إقرار بعد صحة إفادة الشاهد الوحيد في القضية
تسجيل… وشكوى
لم يكتف يحيى الرفاعي بقتل أحمد شعيب الرفاعي الذي واجه فساده وحصاناته السياسية، فوصلت وقاحته إلى توقيف ابن الضحية غيث الرفاعي، الذي سيقت بحقه عدة مذكرات توقيف ودعاوى، والذي كان في شهادة منذر الرفاعي الكاذبة (باعتراف الشاهد نفسه)، مسلحاً يوم الإشكال المسلح.
عمر غيث يومها، كان 15 عاماً، لم يكن في تلك المظاهرة ولم يحمل السلاح، لا بل إنه كان في فراشه، بعد عملية خضع لها بسبب معاناته من السرطان في حينه.
بعد قتله الوالد، تسبب في توقيفات للابن، والإخوة وأولاد الأخت بمذكرات توقيف. لكن مجدداً، لا حدود لإجرام يحيى الرفاعي.
فتسجيل كاميرا، يظهر عنصراً في مخفر برقايل، يطلق الرصاص على مقهى كان ابن زبيدة الرفاعي موجوداً فيه. مر الحادث ودعوى عائلة الشيخ أحمد مرور الكرام في مخفر برقايل، بينما العائلة المظلومة “عم تتجرجر عالحبوس”.
غيث الرفاعي: لا نساوم على دماء أبي
مصدر مطلع على مسار التحقيقات يضع تلك الدعاوى في خانة “الضغط لإسقاط الحق”، والإبقاء على الحق العام حصراً، لعلّ الضغط السياسي والنفوذ المالي للمجرم، يخففان حكم محكمة الجنايات.
أما غيث الرفاعي، ابن الضحية أحمد شعيب، فيكشف، أنه “تم عرض مبلغ مالي علينا لإسقاط الحق عبر وسطاء يوم تم توقيفي في محاولة ابتزاز لوقف الدعاوى ضدنا”. في المقابل، يقول غيث “لن نساوم على دماء أبي والعدالة”.
اليوم، تنتظر العائلة حكم محكمة الجنايات، بعد السماع لشهود الحق العام وشهود طرفي النزاع ولسان حالها: “وينا الدولة تاخد بحق ابننا الشيخ أحمد شعيب الرفاعي وتحاسب المجرم يحيى وابنه علي الرفاعي؟ لعله شي من العدالة بيتحقق”.