الشركات الخاصة تهرب من عروض المزايدة على تشغيل بريد لبنان
في مايو (أيار) المقبل، يتوقف العمل في نظام الخدمة البريدية في لبنان، إذا فشلت مجدداً المزايدة التي أطلقتها وزارة الاتصالات. وتهدف المزايدة إلى تلزيم شركة جديدة بعد انتهاء مدة العقد الممدّد لـ “ليبان بوست”.
يرد وزير الاتصالات اللبناني جوني قرم فشل المزايدة إلى عدم تقديم عروض من قبل شركات القطاع الخاص، موضحاً أن أربع شركات سحبت دفاتر الشروط لقاء 50 مليون ليرة لبنانية ويتحفظ عن ذكر أسمائها لأنها لم تتقدم بعروضها.
قرم يقول “سنعيد إطلاق المزايدة في أقرب وقت لأنها تشكل آخر فرصة، وقد يكون فض العروض في نهاية مارس (آذار)”، لأن العقد الممدّد من قبل الحكومة لمصلحة شركة “ليبان بوست” ينتهي في آخر مايو 2023.
تواجه المزايدة جملة عوائق، وبحسب قرم “هناك عوامل عدة منها ما يتصل بالانهيار الاقتصادي، وأيضاً بالوضع السياسي، وكذلك القضائي، والظروف العامة في البلاد، وأزمة البنوك”. وحالياً لا يوجد إلا أربعة موظفين في هذه المؤسسة!
تعمل “ليبان بوست” وفق عقد ممدّد، وقد يستمر وفق مبدأ “استمرار المرفق العام”. نطرح هذه الفرضية على وزير الاتصالات، فيؤكد الحاجة إلى قرار جديد من الحكومة، ولا يوجد أي حل لتسيير القطاع غير هذا الطرح الذي يُلزم الوزارة العودة إلى مجلس الوزراء.
عاش لبنان حالة متقدمة على مستوى الخدمات البريدية منذ العهد العثماني وصولاً إلى الاستقلال، وظهور وزارة البريد في عام 1953، وصولاً إلى حقبة الخصخصة عبر “ليبان بوست” مع بدايات القرن الحادي والعشرين. يعود وارف قميحة (باحث في التاريخ البريدي) في الذاكرة إلى مطلع العام 1869 عندما صدر نظام البريد العثماني الحديث، وكانت لبيروت الريادة في اعتماد هذا النظام الجديد، وكان البريد ينقل عبر قوافل الجمال والعربات عبر طريق بيروت دمشق. استمر الأمر على هذه الحال إلى حين إنشاء خط سكك الحديد في1891 بين بيروت ودمشق والمزيريب الواقعة في منطقة درعا عند الحدود السورية – الأردنية. ويضيف قميحة “كان لقاطرات السكك الحديد الفضل في سرعة نقل البريد وحمايته من اللصوص وقطاع الطرق، كما كان لمرفأ بيروت دور هام في عمليات نقل الرسائل، والطرود البريدية، والمطبوعات من بيروت الى مناطق السلطنة العثمانية، والأجنبية وبالعكس”.
البريد في القرن العشرين
في عام 1900، تطور نظام البريد في بيروت، وبلاد الشام معتمداً بشكل رئيس على سكك الحديد التي وصلت الى الأستانة في تركيا، وتبع ذلك إلغاء نظام “سعاة البريد التتر”، كما ألغي نظام الاعتماد على الحيوانات لتحل المركبات مكانها.
يؤكد وارف قميحة أنه “منذ عام 1900 أنشئ في بيروت، وسواها نظام الحوالات البريديّة، والحوالات البرقيّة، والطرود العاديّة. ومنذ عام 1902، طبّق هذا النظام بين بيروت والبلدان الأوروبيّة، والآسيوية والأفريقيّة.
في مطلع عام 1863 وضع البريد العثماني أول إصدار له في التداول في جميع مكاتب البريد وشُعبه. ويلفت قميحة إلى أنه “في جانب مكاتب البريد العثمانية، كانت هناك مكاتب بريد أجنبية أقامتها بعض الدول الأوروبية صاحبة الامتياز لحسابها الخاص في عدد من المدن الساحلية الواقعة ضمن الأقطار العربية، وكانت تستعمل طوابع يصدرها المكتب نفسه، أو طوابع بريد الدولة التي ينتمي إليها.
آنذاك، ضمّت بيروت نوعين من الخدمات البريدية الأجنبية، النوع الأول بريد قنصلي، أما الثاني بريد تجاري، وكان مقر معظمهم في منطقة مرفأ بيروت. ويلفت قميحة إلى توالي تأسيس المكاتب، بدءاً مع مكتب البريد الفرنسي في عام 1845 وكان أول مكتب “أورومتوسطي” بعد ثماني سنوات من إنشاء خط السفن البحرية، وتلاه النمساوي في 1845، والروسي 1857، والمصري 1870، والإيطالي 1873، والبريطاني 1873، والألماني عام 1900، وقد بقي بعض هذه المكاتب يعمل إلى ما بعد عام 1914 بحسب قميحة.
البريد ونهاية الحرب العالمية
في عام 1918 ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى، ودخول الحلفاء إلى لبنان، استخدمت مكاتب البريد في البداية طوابع “خالص الأجرة”، ثم بدأت تستخدم طوابع فرنسية مُوشّحة بأحرف ثلاثة T.E.O، وتعني باللغة العربية: أراض عدوة محتلة، بالفرنسية Territoires Ennemis Occupes.
أما في عام 1920، استعملت طوابع فرنسية أخرى عليها توشيح بالأحرف الثلاثة O.M.F وتعني باللغة العربية احتلال عسكري فرنسي، بالفرنسية Occupation militaire française وقد استمر استخدامه حتى 1923- 1924، عندما قامت فرنسا باعتماد طوابع لبلادها عليها توشيح «لبنان الكبير» بالفرنسية Grand Liban.
وفي عام 1925، قامت مصلحة البريد اللبنانية بإصدار أول مجموعة طوابع موُشّحة بعبارة Republique Libanaise، والتي أدرجت ترجمة لها بالعربية «الجمهورية اللبنانية» في1928 ، وتوالت بعدها الإصدارات العادية والتذكارية، إلى حين نشوء “ليبان بوست” عام 1998، بعدما فازت المجموعة الكندية المؤلفة من «شركة البريد الكندي» وسواها من الشركات، بالمناقصة العمومية التي أجرتها الدولة.
وقد خلفت “ليبان بوست” الدولة اللبنانية في تشغيل قطاع البريد والبرق، الذي كانت تديره “وزارة البريد والبرق والهاتف” – الاتصالات حالياً- التي تأسست في عام 1953، بموجب المرسوم الاشتراعي 62 تاريخ 4 أبريل (نيسان) 1953، الذي نصّ على إنشاء وزارة البريد والبرق والهاتف التي تتألف من: المديرية العامة للبريد والبرق، والمديرية العامة للهاتف. لعب وارف قميحة دوراً أساسياً في تأسيس “النادي اللبناني لهواة الطوابع والعملات” في عام 2009، الذي أصبح يضم حوالى 5400 عضو، وينشط عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاجتذاب الهواة.