رصد مناشير
كل شيئ في سوريا شل، الحركة أمست بغير عادة الدمشقيين، طوابير طويلة تمتد كيلومترات انتظاراً لدور تعبئة خزان السيارة 20 لتراً من مادة البنزين فقط. فما تعانيه سوريا، مؤخرا، نقصا حادا في الوقود، من جراء عقوبات غربية، وسط استياء شعبي، يؤشر أن سوريا وتحديداً العاصمة دمشق. وبحسب مسؤولين غربيين يؤكدون أهمية الضغوط الاقتصادية في دفع دمشق إلى إحراز توافق سياسي.
وهذا أيضاً ما نقلته صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، فإن مدنا سورية كبرى أضحت تعيش مأزقاً حقيقاً بسبب نقص الوقود، واضطرت الحكومة إلى فرض حد استهلاكي لا يتجاوز عشرين لترا لكل سيارة لكن الإجراء لم يكن كافيا لإحداث انفراج.
وبحسب المصدر، فإن واشنطن وعددا من معارضي الرئيس السوري بشار الأسد، يأملون أن يؤدي هذا النقص في الوقود إلى الضغط على حكومة دمشق حتى تحرز توافقا مع المعارضة بعد ثماني سنوات من الصراع.
وتصطف طوابير طويلة من السيارات أمام محطات الوقود في الوقت الحالي مما أدى إلى إغلاق عدد من الشوارع، وأضحت السيارات التي تنتظر بالمئات.
ومما يزيد الطين بلة، بحسب الصحيفة، هو أن بعض الموظفين الكبار في الحكومة والجيش يتجاوزون الطابور في بعض الأحيان حتى يحصلوا على الوقود قبل غيرهم، ووصف أحد سكان دمشق المدينة بـ”المشلولة”.
وأدت العقوبات الغربية الصارمة إلى حرمان سوريا من النفط الإيراني وهو أبرز مورد لسوريا، وأحدث انقطاع الشحنات الإيرانية أزمة غير مسبوقة في سوريا.
وفي الأسبوع الماضي، فرضت الحكومة سقفا لا يتجاوز عشرين لترا لكل سيارة في خمسة أيام، أما سيارات الأجرة فسُمح لها بنحو خمسين لترا في يومين.
واضطر بعض سكان سوريا إلى قصد البلد المجاور لبنان حتى يتزودوا بالقدر الكافي من الوقود لسياراتهم، بالنظر إلى تدني السقف الذي حددته الحكومة.
وفي ظل اشتداد الأزمة، صار بعض السائقين يبيعون مواقع انتظارهم في الطابور، أما المطاعم فصارت تقوم بالتوصيل إلى محطات الوقود بالنظر إلى طول مدة الانتظار.
وقال رجل في العاصمة دمشق إنه قرر التوقف عن الذهاب إلى عمله بشكل نهائي، وأكد أنه لن يستأنف نشاطه إلا بعد حل الأزمة الحالية.
وتفادت العاصمة دمشق ومناطق أخرى موالية للأسد مشاكل الحرب طيلة السنوات الماضية، لكن التبعات الاقتصادية الحالية هي الأشد وطأة منذ بداية الأزمة في 2011، بحسب “وول ستريت جورنال”.
أسباب الأزمة
ويعزو خبراء أزمة الوقود الحالية إلى حزمة العقوبات الأميركية على إيران ودمشق وحلفائهما. ففي نوفمبر الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شبكة دولية تتيح لإيران وروسيا أن تصدرا النفط إلى الحكومة السورية.
وإثر فرض هذه العقوبات، صارت الحكومة السورية رهينة للاستيراد من بعض الجهات بشكل غير منتظم، والعقوبات السارية ليست أميركية فقط، فالاتحاد الأوروبي يفرض بدوره عقوبات على سوريا تشمل حظرا نفطيا.
وتراجعت شحنات إيران النفطية إلى سوريا من 66 ألف برميل في اليوم خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من 2018 إلى صفر برميل بحلول العام الحالي، فلم تعد طهران قادرة على إمداد حليفتها دمشق بأي برميل، وفق ما يظهره موقع رصد حركة النفط “تانكر تراكر”.
وتعتمد الحكومة السورية في الوقت الحالي على إمدادات الغاز المعبأ من روسيا فضلا عن حقول النفط التي تقع في مناطق خاضعة لسيطرة قوات كردية مدعومة من الولايات المتحدة.
تنازلات مطلوبة
ولم يتضح بعد ما إذا كانت العقوبات ستؤدي إلى تغيير في نظام الأسد أو تقليص لنفوذ إيران في سوريا، لكن مسؤولا أميركا لم يجر ذكر اسمه قال لـ”وول ستريت جورنال”، إن العقوبات تكشف أهمية فرض عقوبات اقتصادية على الحكومة السورية حتى تقدم التنازلات.
وقال مسؤولون غربيون إنهم يريدون أن ينخرط الأسد في الجهود المدعومة من الولايات المتحدة لأجل إعادة صياغة الدستور والتوصل إلى اتفاق دائم للنزاع.
وفي الأسبوع الماضي، عرقل متمردون مناوئون للأسد وصول شحنات من مناطق خاضعة للأكراد إلى مناطق تحت سيطرة الحكومة، من خلال معبر في شمال غربي سوريا، وأدى هذا التطور إلى انقطاع مصدر ثانوي للنفط.