خبر عاجلسياسةمقالات

“لعنة” غزة تصيب نتنياهو… – جميل الحسيني

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365
“لعنة” غزة تصيب نتنياهو… – جميل الحسيني
جميل الحسيني
أولى ثمار انتصار المقاومة الفلسطينية في غزة فلسطين بداية انهيار منظومة الحكم في الكيان الصهيوني.. قد يرى البعض في هذه الخلاصة الأوّلية تسرّعاً في إطلاق الأحكام واستشراف متعجّل للنتائج التي انتهت إليها أطول حرب تخوضها “إسرائيل” منذ العام 1948 ضد العرب عموماً والفلسطينيين خصوصاً، ومنهم من يسترجع التاريخ ليستعرض محطات شبيهة بما نشهده اليوم على مستوى التهديد المصيري الذي اقترب كثيراً من ضرب البنيان المركزي للمشروع التوسّعي الصهيوني، وخصوصاً بعد الحرب العربية – الإسرائيلية العام 1973 وكذلك في ما تمخّض عن اجتياح العام 1982 للبنان؛ ولكن هناك الكثير من الفروقات التي يمكن تلمّسها في قراءة تفاصيل الصورة السياسية والميدانية التي تدفعنا للقول بأن المقاومة انتصرت.
ولئن كنّا في الخطوات الأولى لاتفاق وقف إطلاق النار لمعركة “طوفان الأقصى”، إلا أن مجرّد إذعان حكومة العدو للاتفاق ببنوده الكاملة الذي أصرّت عليه حركة حماس ورفضه بنيامين نتنياهو سابقاً يعني أن المقاومة حقّقت نقطة حاسمة ضمن سجّل حسابات الانتصار في أكثر الحروب وحشية التي شنّها الصهاينة على الشعب الفلسطيني، وأن جبهة الإسناد والإشغال التي فتحتها المقاومة في لبنان في شمال فلسطين في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 قد أسهمت بشكل مباشر وفعّال في تحقيق هذا الانتصار، وبذلك أمكننا التأكيد بأن “إسرائيل” انهزمت مرتين في حرب واحدة.
يجدر علينا انتظار وترقّب الأيام المقبلة التي من المؤكد نها ستكشف عن كثير من جوانب الهزيمة الإسرائيلية سواء من خلال أرقام الخسائر البشرية والعسكرية والاقتصادية التي تكبّدها العدو، أو من خلال انعكاس هذا الانتصار على التماسك السياسي الاجتماعي داخل المجتمع الإسرائيلي، ولعلّ الاستقالة التي أعلن عنها الوزير المتطرّف إيتمار بن غفير ووزراء حزبه من حكومة نتنياهو تأتي بمثابة رأس جبل الجليد الذي سوف يسفر عن الكثير من التصدّعات التي بقيت مستترة ومكتومة إلى حين لحظة تصديق الكابينت الصهيوني على الاتفاق.
وأبرز مؤشرات هذه التصدّعات اعتراف الكثير من مسؤولي العدو السابقين والحاليين على اختلاف مستوياتهم العسكرية والأمنية والسياسية بأن حماس قد انتصرت وفشلت “إسرائيل” في إلغائها ومحوها أو حتى إضعافها وعزلها عن النسيج الفلسطيني داخل قطاع غزة، لا بل إن اتفاق الإذعان عزّز من حضور الحركة وسيعطيها دفعاً كبيراً في ترميم قوتها وإعادة انتشارها في كامل القطاع بعد إتمام الانسحاب الإسرائيلي منه، وعليه فإن نتنياهو لم يكن استثناءً في قافلة زعماء اليهود الذين طالتهم لعنة غزة، فقد بقي القطاع عصيّاً على أن تجرفه مياه البحر أو أن يصبح موطئ استيطان بعد تهجير أهله واقتلاعهم من الأرض.
وقد ينظّر البعض أن السبب الرئيسي في إقرار الاتفاق إصرار واشنطن ولا سيما الرئيس المنتخب دونالد ترامب على طيّ ملف حرب غزة وإتمام خطوات صفقة تبادل الأسرى قبل تسلّمه سدة الحكم الأمريكي، ومسارعة الرئيس المهزوم جو بايدن إلى ذلك لإضافة نقطة إلى سجله السياسي الآفل، إلا أن السؤال الذي طُرح في الجبهة اللبنانية يُطرح من جديد في الجبهة الفلسطينية وهو: لو استطاع نتنياهو الاستمرار في الحرب لتحقيق أهدافه في غزة هل كان ليُقدم على وقفها؟! ويجدر في هذه النقطة بالذات استحضار الأسباب الثلاثة التي أعلنها نتنياهو نفسه لوقف الحرب على الجبهة اللبنانية وهي: التفرّغ لمواجهة الخطر الإيراني، إعادة تأهيل الجيش وترميمه وسدّ النقص في مخزون الذخائر ولا سيّما صواريخ أنظمة الدفاع الجوي، وفصل جبهة غزة عن جبهة جنوب لبنان في إطار تفكيك ما سمّي “وحدة الساحات”.
هذه الأسباب الثلاثة تؤكد بكل وضوح أن نتنياهو كان أمام خيارين أحلاهما مرّ، فإما أن يوقف الحرب ويواجه خطر انفراط حكومته مع إمكانية اجتراح معالجة سياسية تضمن له الاستمرار في الحكم، أو أن يذهب إلى مغامرة مجهولة النتائج والعواقب فيكمل الحرب على لبنان وغزة ويدفع بجيشه المنهك في مستنقع الاستنزاف المستمر ويمعن في إضعاف مجتمعه المتفكّك وضرب اقتصاده الآيل إلى الانهيار بسبب الحرب، وبذلك سيكون بمثابة انتحار متعدّد الأبعاد لن يسقط فيها نتنياهو وحده بل سيسقط معه أيضاً المشروع الأمريكي كلّه المرسوم لمنطقة الشرق الأوسط، وهذا هو السبب الحقيقي الذي دفع الإدارة الأمريكية للضرب على الطاولة وحسم قرار وقف الحرب مهما كانت النتائج سلبية على نتنياهو، فالأصل هو بقاء “إسرائيل”.
كانت فاتورة الحرب باهظة جداً على المقاومة في لبنان وفلسطين، وأودت بحياة كبار قادتها وكوادرها العسكرية والأمنية ومئات الآلاف من الشهداء والجرحى فضلاً عن التدمير الهائل الذي يذكّر بمشاهد الحرب العالمية الثانية، ولكنها حالة الحروب التي تفترض التضحية خدمةً للقضية والتزاماً بالأهداف، وبما أن الأمور مرهونة بخواتيمها فإن المقاومة في لبنان كما في فلسطين احتفظت بوجودها وقوتها وسلاحها السياسي والعسكري وحقها المشروع في الدفاع عن الأرض والشعب وردّ العدوان، وهذا مؤشر إضافي وحاسم على تكامل جبهة الدعم والإسناد مع جبهة غزة وعلى ارتباط قضية المقاومة في لبنان وفلسطين ضد العدو الواحد “إسرائيل”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى