أثبتت منظمة العمل الشيوعي في لبنان، أن خروجها من حالة الإنكفاء أمر أصبح خلفها بعدما إستطاعت أن تعيد حضورها الجماهيري من خلال خطابها المستقل عن كل أطراف السلطة، وانتزعت موقعها السياسي على الساحة الشعبية بعد مراجعتها الفكرية والسياسية، أثبتت المنظمة ذلك في الانتخابات النيابية الأخيرة، بمشاركتها ترشحاً وإقتراعاً، وأكدت خلال عشائها السنوي في الذكرى السابعة والأربعين لتأسيسها أول أمس في مطعم عنجر الذي أقامه فرع البقاع، من خلال الحشد الكبير الذي ضاقت فيه صالة مطعم الشمس والذي تجاوز العدد ال800 شخص، إن من حيث العدد أو النوعية لمناضلي المنظمة السابقين والحاليين وأصدقائها. حضره النائب محمد القرعاوي، والوزير السابق محمد رحال، ووفد من الحزب الشيوعي ووفد من الحزب التقدمي الإشتراكي، وحشد من محازبي ومناصري منظمة العمل الشيوعي.
بعد تقديم من عريف الإحتفال غسان قسماس، قدم عضو القيادة المركزية أمين سر فرع البقاع حاتم الخشن في كلمة له رؤية المنظمة في الشأن الداخلي، ووضع اليسار، وأساليب النضال، والاستقلالية في العمل السياسي للخروج من أزمة تأكل أخضر لبنان ويابسه، منطلقاً من تساءل أين هي حْدود المأساة التي تأسر اللبنانيين في كل شؤون حياتهم، وهل من قاعٍ لهذا الانحطاط والدرك الذي انحدر اليه الوضع في لبنان؟
وقال “نحن شعب يعيش في ظل نظام طائفي ودستور محاصصة انتجته تسوية طائفية ارتضيناها بديلاً من الحرب الاهلية العبثية. يحكمنا ويتحكم بنا تحالف ميليشيات طائفية وراسمالية متوحشة. وقد ثبت لدينا بما لايدع مجالاً للشك، على امتداد ثلاثة عقود ان هذا النظام يشكل قيدا معطلا لمسار تطور البلد السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهو مولّد لمشاريع الهيمنات الطائفية ومسلسلات النزاعات والحروب بين قواه المغلقة على كل إصلاح وتحديث”. وعرج الخشن على قانون الانتخاب ووصفه بالسيء الذي ابتدعه تحالف أهل الحكم للتجديد لأنفسهم وفق نسبية مزورة، وقال إنه “قانون لا يلبي الحد الأدنى من التمثيل الشعبي الحقيقي ولا يساهم في إعادة توحيد البلد، بقدر ما يعمل على تفكيك مجتمعه ويقفل الأبواب أمام إمكانية تطوره السياسي والاجتماعي، وهذا ما أكدته نتائج الانتخابات ومعارك الحلفاء والخصوم فيها. وقال لقد أحتلت ساحة البرلمان تيارات الطوائف والمذاهب وانتصروا على الشعب الذي قسموه للفوز بالنيابة عنه بعيداً عن مصالحه. الطائفيون والمذهبيون أنفسهم الى ساحة برلمان الطوائف. لقد عادوا لتتجدد معهم معارك الولاء للمحاور الإقليمية والدولية المتصارعة للسيطرة على المنطقة ونهب خيراتها وتدمير مجتمعاتها بعد تفكيكها والتي يبدوا أن عواصفها لن تتوقف في المدى القريب.
أما الوطنيون الديمقراطيون اليساريون والعلمانيون، فقد أكدوا هامشيتهم وسط بحر الطوائف وصفوفها المرصوصة، واشار أن استحقاق تشكيل الحكومة، محكوم بطول الزمن والنزاعات والصراعات لتقاسم حصص الطوائف والمذاهب، بكلفة مزيد من الأزمات على الصعيد الاقتصادي والمالي والاجتماعي والامني والسياحي، أما الوجه الآخر لتشكيل الحكومات فهو مزيد من الإرتهان للخارج الذي وحده يصوغ التسويات.
كلنا يعلم كم أن الوضع الاقتصادي تجاوز الخطوط الحمر، وكيف يتسابق أهل الحكم ومرجعياته على تبشير اللبنانيين بمخاطر الإفلاس والإنهيار. نحن أمام حكم لا يخجل أركانه من عجزهم أو فسادهم الذي بات سمة يتفاخرون بها، إنهم سواسية في المسؤولية عن حال البلد ودينه العام الذي اخترق كل السقوف. حقوقنا نحن أكثرية أهل البلد ومستقبل ابنائنا لا مكان له في جداول أعمالهم. أما نهب الخزينة والمال العام لحماية ارباح المصارف والشركات العقارية فهي مهام مقدسة بالنسبة لهم.
وتابع الخشن لقد دمروا خدمات الكهرباء والمياه الدواء والغذاء وجعلوها تجارة تتقاسمها المافيات التابعة لهم، لوثوا البيئة عبر النفايات والكسارات والمرامل وتوزعوا العوائد، وهم يتربعون على رأس السلطة ، يعبثون بحياة الناس وكرامتهم وأمنهم ومستقبل ابنائهم.
وأكد أن اللبنانيون أمام حكم لا حلول على يديه، وهو يسعى لاقامة حكم رئاسي، ويحاول تكريس صلاحيات كانت قبل اتفاق الطائف لاستعادة هيمنة طائفية غابرة خلافا للدستور. تلوح في الأفق اخطار تصاعد الإنقسام المذهبي وتجدد نزعات الإلغاء للآخر وما يولده ذلك من أجواء مشحونة، وتجدد النزعة العنصرية عبر تحميل النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين كل أزمات البلد ومشكلاته.
وأردف متوجهاً للبنانيين هذا الحكم وهذا النظام، من المستحيل الرهان عليهما. “لا تنتظروا ان يفيق الضمير ويدبّ الإحساس بالمسؤولية عند المتربعين على السلطة مهما اشتدت الأزمة، ليس امامكم من خيار الا انتم انفسكم، بأن تنتزعوا حياتكم الكريمة بايديكم سلميا وديمقراطياً، لقد علمتنا مآسي الحرب الأهلية ان نحذر تكرار العنف. الحل ليس سحريا بل طويل النفس”، واعتبر التغيير نواته بالعودة الى ساحات النضال الديمقراطي والمطلبي والشعبي، هو عودة انتظام صفوف العمال والفلاحين والمزارعين والطلاب والمعلمين والشباب والمرأة في أطر نضالية للمطالبة بحقوقهم”. من خلال صياغة البرامج المطلبية ورفع راياتها وإعلاء الصوت حولها. وناشد بالعودة لتجديد حركة وطنية ديمقراطية، تستعيد المجيد من حركة الشهيد كمال جنبلاط الشخصية الوطنية العربية العالمية الاستثنائية.، لاستعادة الدور التاريخي والنضالي لحزب الشهيد جورج الحزب الشيوعي البناني. عودة الى حركة وطنية يلعب فيها اليسار دوراً طليعاً ويتجدد فيها وعبرها دور منظمتنا منظمة العمل الشيوعي الخلاق الذي كان لها بقيادة رفيقنا وأميننا العام الرفيق محسن ابراهيم. واردف الخشن تتجدد الحقوق والقضايا عندما تجد من يحملها. لن نيأس ولن نحبط ولن نفقد الأمل مهما اشتدت الصعاب والتحديات. سنبقى نحاول نتعلم من تجاربنا ونتجنب أخطاء الماضي. سنستمر في الرهان على دور الشباب، وعلى دور الأجيال الجديدة. ولهذا ندعو الشابات والشباب لمشاركتنا آمالنا وحمل احلامهم والعمل لتحقيقها.
لقد اكسبتنا تجربة الانتخابات التي خضناها سوياً مع رفاقنا في الحزب الشيوعي الكثير من الدروس، وسنبقى جاهزين دائماً لأي عمل مشترك بيننا بما يفتح الباب أمام يسار جديد يتنكب مهام الإصلاح والتغيير. وختم الخشن قائلاً أننا مستمرون في مساعينا لدور يساهم في بناء حركة شعبية ويسار حديث. أننا لن نتخلى عن مبادئ نشأتنا في الدفاع عن المضطهدين والفقراء وحقوق المرأة. اننا نعمل من اجل ولادة الحزب اليساري العلماني الديمقراطي. كما اننا نعاهدكم بأننا كنا وسنبقى في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية وعن إستقلالية قرارها في مواجهة الأخطار الكبيرة التي تتعرض لها. وتحية لشعبها الذي حكماً سينتصر. وقال كنا وسنبقى عروبيين ، فتحية للشعوب العربية التي خرجت في إنتفاضات عارمة لإسقاط أنظمة الاستبداد ومن أجل الديمقراطية، نجحت في مكان وفشلت في مكان آخر. كنا وسنبقى أيضاً في الموقع المعارض لكل نظام إستبدادي مهما كان شكله وضد كل إرهاب من نظام أو أصولية، وهذا يفرض علينا توجيه التحية لشعب سوريا الذي لم يعانِ مثله شعب في التاريخ.