من الذاكرة: “سعدنايل” غرفة عمليّات قيادة مقاومة “جمول”… !
خاص مناشير
وعادَ مستشهدًا.. فبكتْ دمعتين ووردة.. لم تنزوِ بلدة “سعدنايل” في ثياب الحداد الأسود، وهي القابعة وسط سهل البقاع الممتنع عن الأعداء، والممتشقة سلاحها بوجههم، وهي الصامدة والشامخة.. إن حكى التاريخ ينطق باسمها محدثًا عن نضالاتها بوجه المحتلين، يتلو على مسامعك سطور مستقبل خطه شهداء البلدة الأبطال بحبر الدم، يوم انطلقت أول مجموعة بعد تفاهم القاهرة في تشرين 1969 بين المقاومة والسلطة اللبنانية، انطلقت في كانون الأول وتمركزت عند اول نقطة متقدمة مع العدو تحت سنديانة كفرشوبا المعمرة والتي لها حكايات مع اجيال المقاومتين اللبنانية والفلسطينية. لتستمر قافلة شهداء سعدنايل بدءاً من ابنها الشّهيد “أنور الحمصي”، الذي التحق بالثورة الفلسطينيّة واستشهد في صفوفها، والشّهيدين “إبراهيم الشوباصي ومحمد الترشيشي ابني منظمة العمل الشيوعي” الذين ارتقيا شهداء المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة، عدا عن شهداء المقاومة الفلسطينية واللبنانية الشّهيدين الشقيقين “عثمان ومحمد الشحيمي” والشّهيدين “محمّد” و”محمود الدرخباني”، وعدنان صوان وعمر الكردي وسليمان اليوسف وعلى تونا وسواهم من شهداء للحزب الشيوعي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية وفتح وجيش لبنان العربي…
إن حكى التاريخ؛ سينعش ذاكرتنا الميتة فيحييها من جديد على أمجاد تلك البلدة الداعمة للقضيّة الفلسطينيّة والمقاومة منذ نكبة العام 1948، يوم استقبلت آلاف اللاجئين الفلسطينيين، ويوم انتسب أبناؤها الى حركة القوميين العرب ابرزهم القائد المقاوم الراحل محمود الشوباصي، ليلتحق بعدها العشرات من ابناء البلدة بجبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة والفلسطينيّة، وقدّموا على مذبح الوطن وفلسطين أكثر من خمسين شهيدًا والعشرات من الجرحى والمعتقلين.
لم يتوقف التاريخ عند فواصل الزمن استمر تقليب صفحاته المشرقة والمضيئة حول بلدة “سعدنايل” البقاعيّة، فيشرح كيف شكّلت في أواسط السبعينيات وأواخر الثمانينيات، في القرن الماضي، موئلًا وموطنًا لحركات التحرّر والحركات الثوريّة والقوميّة العربيّة، يوم كانت معقلًا للعروبة وملجًا لكل مقاوم، للفلسطيني والناصري واليساري والقومي والبعثي..
فكانت وقرى بقاعيّة أخرى قاعدة اساسية للعمل الفدائي ضد الاحتلال، حتى أصبحت بلدة الزعيم الفلسطيني “ياسر عرفات”، والشّهيد خليل الوزير (المكنى بـــ”أبي جهاد” والملقّب بـ”أمير الشّهداء”)، وملاذًا آمنًا لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط” ولــــ”جورج حاوي” و”محسن ابراهيم” و “مصطفى سعد” ومختلف قادة “الحركة الوطنية” والمقاومة الفلسطينيّة
فكانت وقرى بقاعيّة أخرى قاعدة اساسية للعمل الفدائي ضد الاحتلال، حتى أصبحت بلدة الزعيم الفلسطيني “ياسر عرفات”، والشّهيد خليل الوزير (المكنى بـــ”أبي جهاد” والملقّب بـ”أمير الشّهداء”)، وملاذًا آمنًا لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي “وليد جنبلاط” ولــــ”جورج حاوي” و”محسن ابراهيم” و “مصطفى سعد” ومختلف قادة “الحركة الوطنية” والمقاومة الفلسطينيّة وجبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة التي اعتمدتها غرفة عمليّات لقائد المقاومة في الجبهة “كمال البقاعي” الملقّب بـ”المعلم”، عن الحزب الشيوعي، وجهاد الخشن عن منظمة العمل الشيوعي والذين قادا انطلاقًا منها عددًا من العمليات الفدائية، ففيها كان يجري التخطيط، وإليها كانت وجهة المجموعات القادمة من بيروت للقاء هما وأخذ تعليماتهما الختاميّة قبيل الاتجاه نحو الأهداف المنتقاة لتنفيذ المهمات عبر البقاع الغربي والقطاع الشرقي.
لم يتوقف عطاء “سعدنايل” عند تلك المرحلة، بل امتد لتسعينيات القرن الماضي، لاسيما في عدواني تموز 1993 (تصفية الحساب)، ونيسان 1996 (عناقيد الغضب)، يوم احتضنت البلدة النازحين اللّبنانيين الفارين من إجرام جيش العدو الاسرائيلي. لتكمل نهجها المقاوم في عدوان تموز 2006، مردّدة كلمات وألحان أنشودة مارسيل خليفة:”صامدون هنا قرب هذا الدمار العظيم”.
اليوم، تتمسك بلدة “سعدنايل” الواقعة في قضاء زحلة، في البقاع الأوسط، بدورها الوطني المقاوم وحياتها النضاليّة المتجذرة بالتاريخ، وتواصل دعمها للقضيّة الفلسطينيّة ما يؤهلها لتأدية دور بارز، كونها عقدة وصل واتصال أساسيّة من خلال الطريق الدوليّة التي حوّلتها إلى ممرّ إلزامي للعبور من شمال البقاع إلى وسطه وجنوبه وبقية المناطق اللبنانيّة.
هكذا هي “سعدنايل” تاريخاً وحاضراً لا تغيّر لبوسها المقاوم، وهي تبقى متمركزة في موقعها الوطني والقومي، وفيّة لشهدائها تردّد في كلّ حين وكلّ زمن:” لن نتراجع عن دمهم المتقدّم في الأرض.. لن نتراجع عن حُبِّنا للجبال التي شربت روحه”.