كتب أسامة القادري في نداء الوطن
على أزيز الرصاص والقذائف المنهمرة على أطراف قرى العرقوب وتخوم جبل الشيخ في تلال كفرشوبا ومزارع شبعا، وفوق المنازل، واستحضار بين ذكرى “عدوان تموز” وذكرى”التحرير” يقبع الجنوبيون في مظلمة موقعهم الجغرافي، وفي أتون سلطة تمتهن تحويل قهر الناس وذلهم الى انتصارات الاهية. ففي وقت اطلاق صواريخ من لبنان باتجاه الاراضي المحتلة، ورد العدو الاسرائيلي على مصدر الصواريخ يقبع المواطن في ظلام دامس بفعل سلطة فاسدة، عاجز عن الهرب من الموت لعدم قدرته تأمين ليتر بنزين ينقله الى منطقة أكثر أمناً.
هذا الواقع المتكرر فصولاً كفر به أهالي قرى قضاءي مرجعيون وحاصبيا، وكفروا بنواب لم يقدموا لهم، سوى خطابات “خشبية” صدّعت رؤوسهم بعبارات الصمود والتصدي، بعدما أمست شعارات لا تسمن أو تغني عن جوع او تؤمن لهم شربة ماء في صحراء قحطاء، تتحرك كثبانها على تمايل أزمة تستفحل يوماً بعد يوم، لتكبر مشكلة الإهمال المزمن مع انقطاع الكهرباء والمياه وشح المحروقات، وتتحول المنطقة الى قرى عطشى جائعة لفرصة عمل، في عرقوب جبل الشيخ الواقع فوق خزان مياه والقادر على أن يروي لبنان وسوريا وفلسطين.
يرفض اهالي قرى العرقوب إعتبار مشكلة انقطاع الكهرباء والمياه مستجدة نتيجة انقطاع المازوت وشحه في الوقت الحالي بحسب ما يبرره أحد النواب لفاعليات البلدة، “أن الازمة أزمة بلد بكامله”، من دون أن يعترف أن الأزمة قديمة منذ بدء التحرير عام 2000، حيث أدخلت هذه القرى في أتون التقنين القاسي للكهرباء، ومعه انقطاع مياه الشفة بشكل متقطع، وما يترتب من أكلاف اضافية على كاهل مواطن في منطقة تفتقر لفرص العمل ولمقومات العيش، لتبقى مسرحاً للاستعراضات العسكرية وصندوق بريد بالبارود والنار.
من هذا المنطلق تتسع الهوة بين النواب والاهالي، وتحميلهم المسؤولية مضاعفة باعتبار انهم ينضوون في تكتلي السلطة (التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة). وارتضوا ابقاء المنطقة خارج الخدمة الفعلية. بدلاً من أن تكون قاعدة المواجهة بالانماء، وبإنشاء مرافق ومؤسسات من شأنها تشجيع الناس على البقاء والصمود.
انما بفعل سياسة طمر الرؤوس في الرمال، بات المواطن في تلك القرى الحدودية محتلاً بالحرمان المقصود من انقطاع شبه تام للكهرباء وللمياه منذ نحو ثلاثة أشهر، وللاستشفاء المعدوم المرهون للخلافات والتجاذبات السياسية.
لا يخفي أحمد غانم ابن بلدة كفرشوبا “العرقوبية” أن الحياة أصبحت منعدمة في هذه القرى النائية، “كأننا في قطب آخر”، بتأفف وبوجع، أن أهم انجاز كان هو التحرير، “كان حري بهذه السلطة أن تحصن التحرير بخدمات انمائية تشجع المواطنين للعودة الى قراهم، لأن الصمود بمقومات العيش، ليس الصمود ان ترى المستوطنات الاسرائيلية مشعشعة وضيعنا محروق سلافها”، ليردف: “كأن الممانعة والمقاومة لا تكتملان الا باذلال الناس وقهرهم، وحتى قطع الهواء عنهم”، وأوضح غانم أن مشكلة المشاكل اليوم هي انقطاع الكهرباء شبه التام، وتعطل المولدات في القرى أدى الى تلف كل ما خزنه الاهالي في البرادات من مؤن مفرزة كاللحوم والأجبان والخضار، وأدت الى خسائر مادية كبيرة، عدا عن المشكلة المزمنة لانقطاع المياه. وكلفة شراء مياه الشرب والاستعمال، اضافة الى كلفة المولدات”.
أيضاً يعاني أبو أحمد من العرقوب مشكلة انقطاع الكهرباء، ويحمل المسؤولية الى نواب المنطقة، بأنهم يتقصدون محاسبة الناس انتقاماً لأن الأهالي لم ينتخبوا اياً منهم، فأتوا بأصوات من خارج المنطقة، قال: “التقنين صفر ساعة تغذية، لتكتمل بتعطل مولد الاشتراك بالبلدة لمدة ثلاثة ايام بلا كهربا عالشمعة”، ما سبب ذلك تلف كل اللحوم والخضار المفرزة والاجبان التي عمل طيلة الفترة السابقة على جمعها، خوفاً من تشعبات الازمة الاقتصادية عليه، لتفتك بكل ما ادخره ازمة انقطاع الكهرباء، أضاف بحرقة: “اخترب البيت، خسارتي اكتر من 15 مليون ليرة”، يتابع بحسرة بسبب سياسة النواب بالمنطقة، “خلونا نترحم على ايام الإحتلال الإسرائيلي، مش عيب عليهم قرى اسرائيلية مضواية، وقرانا معتمة تنتظر خطاب الصمود والممانعة يضويها”.
وكانت “مؤسسة مياه لبنان الجنوبي” أوضحت في بيان رداً على مطالب الاهالي أن أغلب محطاتها الرئيسية توقفت عن ضخ المياه، وان “السبب عائد الى قطع خط الخدمات العامة الكهربائي عن بعض محطاتها والتقنين القاسي على البعض الآخر”، ولفت البيان الى ان “هذه المحطات التي تتغذى بالكهرباء بواسطة خط خدمات من مؤسسة كهرباء لبنان حالها كحال باقي المستفيدين من مواطنين ومؤسسات عامة، فوجئت بانقطاعه حيناً والتقنين القاسي حيناً آخر، مما يؤثر سلباً على انتاجيتها وقدرتها على تلبية حاجة المواطنين في هذه الظروف الصعبة”.
وفي سياق متصل أكد مصدر في مصلحة مياه لبنان الجنوبي أن انقطاع المياه في العديد من القرى ناتج من أعطال المضخات بسبب تلاعب الفولتاج للتيار الكهربائي، ولأن الوضع مأزوم ويسجل حضور فقط 10% من نسبة الموظفين والدوام في المؤسسات العامة، تصبح عمليات الصيانة واصلاح الاعطال تحتاج الى وقت طويل ومضاعف عما كانت تحتاجه سابقاً، فيؤثر على قوتها في عملية الضخ، ليضاف اليها سرقة وغش في صيانة المضخات من قبل متعهدين وعمال قسم الصيانة.