خبر عاجلسياسة

بن غوريون لابنه عاموس: عندما نصبح دولةً قويةً على العرب أن يدركوا أن مصلحتهم في أن يصبحوا حلفاءنا

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

بن غوريون لابنه عاموس: عندما نصبح دولةً قويةً على العرب أن يدركوا أن مصلحتهم في أن يصبحوا حلفاءنا


ترجمة وإعداد: ليلى زيدان عبد الخالق

تقريرنا هذا الأسبوع ربما يكون مختلفاً، تأريخياً نوعاً ما. إذ يحمل في طيّاته ترجمةً لرسالة كتبها رئيس الحكومة الأولى في دولة الاحتلال الصهيوني ديفيد بن غوريون، ويتوجّه بها إلى ابنه عاموس، وذلك 5 تشرين الأول عام 1937. تمّ الحصول على هذه الرسالة من محفوظات بن غوريون باللغة العِبرية، مترجمةً إلى الإنكليزية من معهد الدراسات الفلسطينية ـ بيروت.

وفي الرسالة، يشرح بن غوريون لابنه رؤيته للطريقة التي يراها مناسبة لقيام «دولة إسرائيل»، إذ يقول: «علينا استقدام ما يلزم من يهود إلى هذه الدولة. فنحن نصرّ على قدرتنا على جلب أكثر من مليوني يهوديّ. سوف نعمل على بناء اقتصاد يهوديّ متعدّد الأوجه ـ زراعي، صناعيّ وبحريّ. علينا القيام بتنظيم قوة دفاعية عسكرية متفوقة ومتقدمة، تضاهي أقوى وأعتى الجيوش في العالم. وعند بلوغ كلّ هذا، سأكون على ثقة تامة من أننا لن نفشل في السيطرة على باقي أجزاء البلاد، عن طريق تحقيق التفاهم والتوافق مع جيراننا العرب، أو من خلال بعض الوسائل الأخرى. علينا دائماً أن نضع في اعتبارنا بعض الحقائق الأساسية التي تمكننا من تحقيق التسوية الحتمية والممكنة على هذه الأرض».

كما يتضمّن التقرير، لتوثيق ما أتى في رسالة بن غوريون، مقالاً نُشر في صحيفة «رأي اليوم» الإلكترونية»، يشير فيه إلى أنّ معظم المؤرخين الذين تعمّقوا في بحث مسألة تهجير الفلسطينيين وارتكاب المجازر بحقّهم بهدف قيام دولة الاحتلال، أظهروا إثباتات بأنّ بن غوريون كان على علمٍ وبشكلٍ مباشرٍ بعمليات ترحيل فلسطينيين، لا بل صادق عليها.

الرسالة

5/10/1937

عزيزي عاموس،

لم أغضب عليك، لكنّني أسفتُ لأنني لم أتلقّ أيّ جواب منكَ. لا يمكنني قبول عذرك بأنك لا تملك الوقت الكافي للقيام بذلك. أدرك وجود ضغوطات كثيرة عليك بسبب عملك في المدرسة، وفي الحقل، وفي المنزل، ولكم سُعدتُ بخبر انشغالك بدراستك. لكن هناك دوماً إمكانية لتفريغ بعض الوقت خلال أيام الأسبوع وليس فقط أيام السبت. كما أنّ عذرك بأنّي دائم التنقل من بلد إلى آخر ليس مقنعاً. بإمكانك أن تكتب لي خلال وجودك في لندن. فهنا، يعرف مكتب الوكالة اليهودية أماكن تواجدي، ويتكفّل بنقل بريدي. أما في ما يخصّ سؤالك حول عضويتي في اللجنة التنفيذية للوكالة اليهودية، فسيكون عليّ أن أشرح لكَ هذا وجهاً لوجه عندما نلتقي في «تل أبيب» بعد عودتي إلى هناك. وما أودّ الحديث عنه باستفاضة حينذاك، سيتمحور حول الصراع الذي تعيشه بين عقلك وعواطفك في ما يتعلّق بمسألة الدولة. فالمسائل السياسية لا يجوز أن تخضع للعواطف. لأن الأمر الوحيد المفترض أخذه في الحسبان هو ما نريد وما هو الأفضل لنا، ما سيقود إلى الموضوعية وإلى الهدف المنشود، وهذه هي السياسات التي ستمكّننا من النجاح فيما لو انتهجناها بحكمة، بينما سنخسر الكثير لو قمنا بعكس ذلك.

ويبدو أنني أعاني أنا الآخر من بعض هذه المشاعر، لأنه من دون هذه المشاعر لن نكون قادرين على تحمّل عقود من العمل الشاقّ الذي نقوم به. وفي المقابل، لا يجرح مشاعري إعلان تأسيس الدولة، حتى لو كانت صغيرة.

وبطبيعة الحال، فإن تقسيم الدولة لا يشعرني بأيّ متعة. لكن البلاد التي تعمل الهيئة الملكية على تقسيمها ليست في الحقيقة ملكيةً خاصةً بنا بل تعود فعلياً للعرب والإنكليز. وما يخصّنا هو جزءٌ صغيرٌ جداً، أقلّ بكثير مما كانت لجنة بيل الملكية ستمنحه للدولة اليهودية. ولو أنني عربيّ لكنتُ سأكون ساخطاً جداً.

غير أننا، في هذا القسم المقترح، سوف نحصل على ما أكثر ممّا نريد بكثير، وأيضاً أقلّ مما نستحق أو حتى نرغب. والسؤال المطروح هنا: هل يمكننا الحصول على المزيد من دون إخضاع البلاد للتقسيم؟ وإذا بقيت الأمور على ما هي عليه، هل سيُرضي ذلك مشاعرنا؟ فما نريده نحن، لا ينحصر فقط في أرضٍ كاملة وموحّدة لأن ما نريده أرضٌ يهودية موحّدة وكاملة وهذا لن يشكل إرضاء وراحة بالنسبة إلينا فيما لو شارَكَنا العرب في هذه الأرض.

ومن وجهة نظرنا، فإن بقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، مميتٌ وسامّ. نحن نريد تغييراً في الوضع الراهن. لكن كيف سيحصل ذلك؟ كيف سنجعل هذه الأرض لنا؟ والسؤال الحاسم الذي يطرح نفسه هنا هو: هل أن إقامة الدولة في هذا الجزء من فلسطين سوف يؤدّي إلى أو يؤخر قيام دولة يهودية؟ أفترض وهذا هو السبب كوني من الدعاة المتحمسين لقيام الدولة، مع أنها مرتبطة حالياً بالتقسيم أن الدولة اليهودية على جزء صغير من فلسطين ستكون حكماً البداية، ولن تكون النهاية كما يميل البعض إلى الاعتقاد.

فعندما نسيطر على عشرة آلاف الدونمات، سنشعر بالابتهاج. ولن ينتقص من مشاعر الفرحة عندنا أن هذا الاستحواذ لن يعني امتلاكنا للأرض كلّها. لأننا في هذا سنزيد من قوتنا، وكلّ زيادة في القوة تساعد على حيازة المزيد من الأراضي، وعلينا في الوقت الحاضر تعزيز قوتنا إلى أقصى الحدود ودفعها نحو تحقيق المساعي التاريخية لتحرير البلاد بالكامل.

علينا استقدام ما يلزم من يهود إلى هذه الدولة. فنحن نصرّ على قدرتنا على جلب أكثر من مليوني يهوديّ. سوف نعمل على بناء اقتصاد يهوديّ متعدّد الأوجه ـ زراعي، صناعيّ وبحريّ. علينا القيام بتنظيم قوة دفاعية عسكرية متفوقة ومتقدمة، تضاهي أقوى وأعتى الجيوش في العالم. وعند بلوغ كلّ هذا، سأكون على ثقة تامة من أننا لن نفشل في السيطرة على باقي أجزاء البلاد، عن طريق تحقيق التفاهم والتوافق مع جيراننا العرب، أو من خلال بعض الوسائل الأخرى. علينا دائماً أن نضع في اعتبارنا بعض الحقائق الأساسية التي تمكننا من تحقيق التسوية الحتمية والممكنة على هذه الأرض والتي تندرج ضمن سببين لا ثالث لهما: لا الانتداب البريطاني ولا وعد بلفور. فتلك نتائج وليست أسباب. حصلت نتيجة تفاعل عوامل الصدفة: طارئة، سريعة الزوال وسوف تصل إلى نهايتها الحتمية. كانت أسباباً لا مجال للفرار منها. ولم تكن هذه الأسباب لتحدث لولا نشوب الحرب العالمية الأولى، أو بالأحرى، لم تكن لتحدث لو لم تنتهِ الحرب على تلك الشاكلة.

لكن، ومن ناحية أخرى، تظهر بعض الحقائق التاريخية والأساسية غير القابلة للتغيير، طالما لن تتحقق الأهداف الصهيونية بشكل كامل، ومنها:

1 ـ الضغط من المنفى الذي يستمرّ لدفع اليهود للقدوم مع الآتين إلى البلاد.

2 ـ لا تعاني فلسطين من الزيادة السكانية. بل هناك إمكانية لاستعمار الأراضي الشاسعة التي لا يحتاج العرب إلى استغلالها. ما من مشكلة في هجرة العرب. لا يوجد منفى عربيّ. العرب لا يتعرّضون للاضطهاد. فلديهم وطنهم وهو واسعٌ جداً.

3 ـ أما بالنسبة إلى المواهب المبدعة والمبتكرة من قبل اليهود، فتكمن في قدرتهم على تحويل الصحراء إلى واحة، خلق الصناعة، بناء الاقتصاد، تنمية الثقافة، الاستيلاء على البحر والفضاء بواسطة العلم والسعي إلى تحقيق الريادة.

ستتعزّز هذه الحقائق الأساسية الثلاث بوجود دولة يهودية تكون جزءاً من البلاد، وبهذا الغزو تتعزّز أيضاً الصهيونية، وكلّ مرفق موجود، كبيراً كان أم صغيراً، كلّ مدرسة، كلّ مصنع، كلّ سفينة يهودية، إلخ… إن قدرتنا على اختراق البلاد سوف تزيد من إمكانية حصولنا على دولة. وستكون لدينا القوة لمواجهة العرب كأنداد وأكثر حيث احتمالات التوسّع والبناء ستتطوّر بسرعة. فكلّما عظمت القوة اليهودية في البلاد، كلّما تيقّن العرب أنه ما من فائدة، ومن غير الممكن ألا يتحملونا. وعلى العكس من ذلك، سيكون من المستحيل على العرب ألاّ يستفيدوا بشكل كبير من اليهود، ليس على المستوى المادي فقط بل أيضاً على المستوى السياسي.

أنا لا أحلم بالحرب، فضلاً عن أنني لا أحبها. لكنني ما زلت أؤمن، الآن أكثر من ذي قبل بضرورة قيام دولة يهودية، وعندما نصبح دولةً قوية، سيتحتّم على العرب أن يدركوا أنه في مصلحتهم أن يصبحوا حلفاءنا. وسيستفيدون من المساعدة التي سنقدّمها إذا قبلوها بمحض إرادتهم، ويعطوننا الفرصة للتسوية في جميع أنحاء البلاد. فللعرب عدد من البلدان المكتظة بالسكان، المتخلّفة والضعيفة، غير القادرة بقوتها الخاصة على الوقوف في وجه أعدائها الخارجيين. فمن دون فرنسا، لن يكون أمام سورية أن تصمد يوماً واحداً ضدّ الهجمات التركية. والأمر عينه، ينطبق على العراق وعلى الدولة الفلسطينية الجديدة. كلّ هذا يهدف إلى حماية بريطانيا وفرنسا. إنها حاجة إلى الحماية من وسائل القهر والتبعية من جهة أخرى. لكن عليهم أن يعلموا أنه بإمكان اليهود أن يكونوا حلفاءهم الحقيقيين، أصدقاءهم الحقيقيين، وأنهم ليسوا طغاة أو محتلّين غاصبين.

ولْنفترض أننا لن نستطيع ضمّ النقب إلى الدولة اليهودية. ففي حدثٍ كهذا، ستظلّ النجف قاحلةً، إذ إن العرب لا يملكون الكفاءة ولا الحاجة إلى تطويرها أو جعلها مزدهرة. لديهم وفرة من الصحارى، لكنهم يفتقرون إلى القوى البشرية والموارد المالية والمبادرات الخلاّقة. ومن المحتمل جداً أن يوافقوا على مشروع تطويرنا للنقب في مقابل إمدادنا لهم بالمساعدات المالية، العسكرية، التنظيمية والعلمية. ومن الممكن أيضاً ألا يوافقوا على مشروعنا هذا. فبعض الناس لا يتصرّفون وفقاً لما يمليه المنطق، والحسّ السليم والاستفادة العملية الخاصة. تماماً، كما يحصل معك حين تقع في صراعٍ حادّ بين عقلك وعواطفك، فمن المحتمل أن يسير العرب وراء ما تمليه عليهم عواطفهم القومية العقيمة، وأن يقولوا لنا: «لا نريد عسلك ولا شوكتك. فنحن نفضل أن تبقى النقب جرداء على أن يستوطنها اليهود». وإذا ما حصل هذا، سيكون علينا أن نخاطبهم بلغة مختلفة وستتوفر لدينا هذه اللغة لكن من المستحيل امتلاك لغتنا الخاصة تلك من دون قيام الدولة اليهودية. وحين يحدث ذلك، سيكون بسبب عدم قدرتنا على استيعاب إبقاء مساحات شاسعة من الأراضي الفارغة، في الوقت الذي يحتاج فيه اليهود إلى مكان يقيمون فيه في دولتهم بينما يفضل العرب أن تبقى النقب فارغةً منا ومنهم. سيكون علينا حينذاك أن نطرد العرب لنعيش مكانهم. ولغاية هذه اللحظة، إننا نضع جميع أمانينا أمام افتراض واحد ـ أن هناك متسعاً لنا وللعرب في هذه الدولة. لكن، لو اضطرّنا هؤلاء إلى استخدام القوة ـ ليس بهدف تجريد العرب وطردهم من النقب أو من شرق الأردن، ولكن من أجل ضمان حقنا في إقامة تسوية هناك ـ فنحن نتمتع بالقوة الكافية التي ستمكّننا من تحقيق ذلك.

من الواضح أنه سيكون علينا حينذاك مواجهة العرب، ليس فقط في «أرض إسرائيل»، لا بل العرب من الدول المجاورة الذين سيهبّون لنجدتهم ضدّنا. لكن قوتنا ستكون أكبر. ليس فقط لأننا أفضل تنظيماً وأكثر عتاداً، بل لوقوف قوة أكبر من حيث النوعية والكمّية خلفنا، حيث الأعداد الهائلة من يهود الشتات في الخارج، أي الأجيال الشابة في بولندا، رومانيا، أميركا، ودول أخرى سوف تتدفق إلينا في حال نشوب مثل هذا الصراع ـ والذي أصلّي ألا يحدث إطلاقاً. لن تعتمد الدولة اليهودية فقط على اليهود القاطنين فيها، بل على الشعب اليهودي برمّته المنتشر في العالم أجمع، على ناسها المشتّتين والمضطرّين للاستيطان في البلد. لا توجد جماعات عربية مضطرّة أو تريد الاستيطان في فلسطين. وبالتأكيد من الممكن استقدام عصابات عربية من المغامرين السوريين أو العراقيين أو من أيّ دولة عربية أخرى، لكن يستحيل أن يضاهي هؤلاء عشرات ومئات الآلاف من الشبان اليهود الذي لا يملكون تجاه «إسرائيل وأرضها» مجرّد «أحاسيس»، إنما يرون إليها باعتبارها مسألة أمنية وشخصية وقومية على حدّ سواء. ولهذا السبب، فإنّي أولي أهمية كبيرة لغزو البحر، ولضرورة إقامة ميناء يهوديّ وأسطول يهوديّ. فالبحر هو الجسر الذي سيبنيه اليهود في هذا البلد وفي الشتات وفي العالم كلّه. علينا نحن تهيئة الظروف التي ستمكّننا عند الضرورة من إحضار عشرات الآلاف من الشباب إلى البلاد بواسطة سفننا، وملّاحينا، كما علينا تأهيل هؤلاء الشباب لكلّ مهمة محتملة في البلد، حتى أولئك الذين لا يزالون في أرض الشتات حتى هذه اللحظة. إنني أثق شديد الثقة من أن إقامة دولة يهودية حتى ولو على جزءٍ من هذه الأرض، سوف تمكّننا من تنفيذ هذا الأمر، وفي حال قيام الدولة، فإننا سنتمكّن من السيطرة على «البحر الإسرائيلي»، وسيكون لإنجازاتنا البحرية شأن عظيم. لذا، أدعوك إلى التخلّص من أيّ شرخٍ داخليّ أو تناقض قد تشعر به بين أحاسيسك وعقلك، فكلاهما يبلغاني بضرورة العمل على إقامة دولة يهودية، حتى لو لم تكن على كامل الأرض، أما الباقي، فسيأتي مع الوقت، ولا بدّ من قدومه.

متى تعود إلى خضوري؟ اكتب لي.

إعرض هذه الرسالة على والدتك وأخوتك وأخواتك.

تحياتي الحارّة.

والدك

ترحيل الفلسطينيين

وفي ما يلي، تقرير نشره زهير أندراوس في «رأي اليوم» حول وثيقة تؤكّد أنّ بن غوريون أمر بترحيل الفلسطينيين شخصياً، وأنّ «إسرائيل» تستعين بخبراء أميركيين لإعادة تعريف معنى كلمة «لاجئ»: الذين هُجّروا عام 1948 من دون أبنائهم وأحفادهم

ما زالت «إسرائيل» ترتكب المجازر بحقّ الشعب العربي الفلسطيني، في ظلّ صمتٍ مريبٍ ومخزٍ من قبل العرب، أمّا الدولة الغربية الـ«متحضرّة» فتقوم بإدانة المجازر بشكلٍ خجولٍ، من دون أن تنسى التشديد على أنّه من حقّ «إسرائيل» الدفاع عن نفسها أمام الـ«إرهاب» الفلسطيني. هذا الأسلوب، ارتكاب المجازر من قبل الصهاينة بدأ قبل إعلان قيام الدولة العبرية، وبحسب جميع الدلائل والمؤشّرات سيستمر بوتيرةٍ عاليةٍ من قبل «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم»، كما يتشدّق أركان دولة الاحتلال.

وفي المحصلة العامّة، الطريق مفتوحة أمام «إسرائيل» للإيحاء بأننّا أمام قضية تتعارض فيها شهادة الشهود، ونتيجة ذلك، يكون الفاعل فيها مجهولاً، بل لم تنته المؤامرة عند هذا الحد، بل تواصل «إسرائيل» حربها على اللاجئين بتواطؤٍ وبتخاذلٍ عربي ودولي، إن لم يكن أكثر من ذلك. ومن أحدث الأساليب في ذلك سعي «تل أبيب» بالاستعانة بخبراء من الولايات المتحدّة الأميركية، إلى إعادة تعريف معنى كلمة «لاجئ». بمعنى أن تقتصر هذه الصفة على الذين هُجّروا عام 1948، من دون أبنائهم وأحفادهم.

والواضح من هذه الخطة أنه يُراد التمهيد للقول إنه لم يعد هناك لاجئون بعد موتهم، خصوصاً أنّ جزءاً كبيراً منهم توفوا، والباقون بلغوا من العمر عتياً. أمّا الحقّ الوطني والشخصي لكلّ هؤلاء، فلا ينسحب على الأبناء والأحفاد.

ما تقدّم لا ينبغي أن يكون مفاجئاً، فقد شهد العالم قبل نحو سنتين مجازر موثقة بالصورة والصوت، ارتكبها سلاح طيران الجيش «الإسرائيلي» ومدفعيته، خلال العدوان البربري على قطاع غزّة في صيف العام 2014، أي أنّ عناصر الجريمة مكتملة: الفاعل معلوم، والأداة موثقة، والضحايا بالآلاف. فماذا كانت النتيجة بعد ذلك؟ اعتلى رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهيو، منصة الأمم المتحدة، محملاً «حركة المقاومة الإسلامية ـ حماس» وفصائل المقاومة الفلسطينية مسؤولية هذه المجازر. والأهّم أنّ الدول الكبرى والمؤسسات الدولية لم تحرّك ساكناً، وإن حدث فبخجل ولا يتجاوز سقف لوم «إسرائيل» على استخدامها القوة المفرطة، أو ردّت بطريقة غير تناسبية ليس إلّا، مع عدم نسيانهم تأكيد حق «إسرائيل» في الدفاع عن نفسها.

علاوة على ذلك، لا يخفى أنّ علاقة تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه، بإعلان الدولة العبرية هو علاقة المقدّمة الضرورية بنتيجتها. فلم يكن بإمكان نحو 650 ألف صهيونيّ في 1948 إقامة دولتهم، في ظل وجود نحو 900 ألف فلسطيني ضمن ما عرف لاحقاً باسم دولة «إسرائيل» . ونتيجة ذلك، كان على المنظمات الصهيونية تبنّي خيار استراتيجي باتجاه تحقيق ما كان مرسوماً من أهداف.

وعلى ذلك، فقد كان عليها أن تختار: العزوف عن إعلان قيام الدولة «الإسرائيلية» نتيجة التركيبة الديمغرافية لفلسطين آنذاك. لكن هذا الخيار كان مرفوضاً لكونه يتعارض مع الهدف الاستراتيجي للحركة الصهيونية، وقناعة قيادتها المتمثلة ببن غوريون بإمكانية تحقيق هدف إقامة الدولة.

الثاني، تأجيل إعلان قيام الدولة إلى مرحلة لاحقة. لكن ذلك كان يعني أنّهم سيعودون إلى مواجهة المعضلة نفسها لاحقاً، لكون الغالبية الفلسطينية ستبقى في وطنها، إضافة إلى أنّ الفرصة التي لاحت في تلك المرحلة لا يوجد ما يضمن بقاءها مفتوحة وفق حسابات تلك المرحلة.

والخيار الثالث، إقامة دولة ثنائية القومية، قائمة على توازن يهودي ـ فلسطيني، مع أرجحية للطرف الثاني. لكن هذا الخيار يتعارض أيضاً مع الهدف الصهيوني، كما ينطوي على مخاطر وجودية، لجهة أنّ إقامة دولة صهيونية في ظل الواقع الديمغرافي آنذاك، يشبه كمن شيد بناء على قنبلة موقوتة لا يعرف متى تنفجر وتهدم البناء كله. أمّا الخيار الرابع، فكان إبادة الشعب الفلسطيني أو تهجيره. ولمّا كانت الإبادة التامّة غير ممكنة، صار لا بدّ من ارتكاب مجازر مدروسة واستغلالها لبثّ الرعب في صفوف سكان القرى والمدن ليشعروا أنّهم إذا لم ينجوا بأنفسهم سيواجهون المصير نفسه. على هذه الخلفية، ليس أمراً عابراً أن تنفذ مجزرة دير ياسين المؤسسة لما تلاها من مجازر وتهجير، قبل نحو خمسة أسابيع 9 نيسان على إعلان دولة «إسرائيل» 14 أيار 1948 . وهكذا هُجّر بعد المجزرة مئات الآلاف من الفلسطينيين، ليبني مئات الآلاف من الصهاينة دولتهم بعد ذلك، وبالتالي بات التهجير الخيار الوحيد أمام الحركة الصهيونية لإقامة الدولة.

في السياق عينه، أشار الباحث شاي حزقاني في صحيفة «هاآرتس» العبرية إلى أنّ معظم المؤرخين الذين تعمقوا في بحث الموضوع، أظهروا إثباتات بأنّ بن غوريون كان على علمٍ وبشكلٍ مباشرٍ بعمليات ترحيل فلسطينيين، لا بل صادق عليها.

ويضيف أنّ الباحثين الذين كلّفوا من جانب بن غوريون وضع البحث، لم يقدّموا صورة كاملة عن مساهمة «إسرائيل» في خلق قضية اللاجئين، إذ لم يجرؤ أحد في ستينات القرن الماضي على الاعتراف العلني بأن «إسرائيل» هجّرت الفلسطينيين. لكن اليوم، وبعد اتفاقات أوسلو وأبحاث المؤرخين الجدد، لم تعد الرواية «الإسرائيلية» الرسمية عن النزوح الطوعي هي وحدها السائدة في «إسرائيل».

وخلص الكاتب إلى الاستنتاج بأنّ الجدل لم يعد في شأن قيام الجيش «الإسرائيلي» بتهجير الفلسطينيين من منازلهم عام 1948 أو أنّه لم يسمح للمهجرين بالعودة إلى ديارهم، إنما يتناول سؤالاً مفتوحاً: هل وضع بن غوريون خطة واضحة المعالم لتنفيذ عمليات الترحيل. وأضاف أنّ هذا السؤال يبقى مفتقراً إلى جواب طالما واصلت الرقابة العسكرية إطباق قبضتها على أرشيف الدولة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى