خبر عاجلسياسة

المطلوب طائف سوري لتدارك الأعظم!

إعــــــلان
إحجز إعلانك الآن 70135365

المطلوب طائف سوري لتدارك الأعظم!

جوزف القصيفي نقيب محرري الصحافة

الأحداث الدامية التي وقعت في الساحل السوري، وحصدت ما يزيد عن ألف قتيل، من بينهم أعداد كبيرة من المدنيِّين العزّل، وبصرف النظر عمّن يتحمّل المسؤولية في ضوء تبادل الاتهامات بين الطرفَين المتواجهَين: السلطة الراهنة برئاسة أحمد الشرع والمجموعات المعارضة له في منطقة الأحداث، سواء كانوا من «فلول النظام السابق»، هو التعبير الذي تستخدمه السلطة في وصف معارضيها، أو متمرّدين لأسباب أخرى، وضعت وحدة سوريا أرضاً وشعباً على المحك، لأنّ الساحل ليس وحده بؤرة توتّر.
هناك الجنوب السوري الذي بات لإسرائيل فيه الباع الطويل بعدما تدخّلت فيه، وشرعت تعبث في نسيجه الوطني التعدّدي والاجتماعي، فيما مناطق السيطرة الكردية تحظى بحماية خارجية ورعاية أميركية. على أنّ الحضور الروسي لا يزال قائماً مباشرةً أو مداورة. وتبدو الأرض خصبة لإشعال نار الفتن. فالوضع المالي والاقتصادي لم يُحقّق قفزة نوعية، والسلع الأساسية لا تزال في ذروة ارتفاعها، والجيش تفكّك وتفرّق بعدما أمعنت إسرائيل في تدمير بنيته العسكرية، وترسانة السلاح المتطوّر والمتنوّع التي كان يمتلكها، وأفراده باتوا خارج منظومة الدولة بلا رواتب ولا عمل، وبعضهم يخشى الملاحقة. أمّا المتقاعدون من جميع القطاعات الرسمية، فلم يحصلوا على معاشاتهم منذ أشهر. ومن الطبيعي والحال هذه، وفي ظل المخاوف التي تستبد بشرائح واسعة من الشعب السوري، وخصوصاً الأقليات، وتحديداً الأقلية العلوية للأسباب المعروفة، أن يهتزّ الاستقرار وأن يضطرب حبل الأمن وتتدحرج الأمور على نحو مأسوي يلامس في جانب منه الحرب الأهلية.

 

إنّ ما شهده الساحل السوري في الأيام الأخيرة يشي وكأنّ نموذج اللبننة بنسخة العام 1975 بدأ يزحف في اتجاه هذه المنطقة، ليمتد في ما بعد إلى سائر المناطق. وهو ما يُريح إسرائيل التي تسعى إلى سوريا مقسّمة ومشرذمة، بدليل ما قامت به غداة سقوط نظام بشار الأسد من خطوات عسكرية ميدانية، وقضم أراضٍ، وإقامة مراكز مراقبة وأخرى أمنية في مواقع متقدّمة من الجنوب السوري. وليس أمام السوريِّين، كما يقول ديبلوماسي غربي متابع، إلّا الذهاب إلى مؤتمر وطني يُعقد في بلدهم أو خارجه برعاية دولية وعربية، لرسم مصير وطنهم وتقرير شكل النظام وتقاسم السلطة، وإيجاد الأطر التي تكفل وضع صيغة تُلبّي طموحات المواطنين وتطلعاتهم، مع أخذ الواقع الديموغرافي في الاعتبار، وعدم إقصاء أي مكوّن، لئلّا تكون عملية الحل مغامرة مليئة بالألغام والقنابل الموقوتة. وبعبارة أوضح المطلوب «طائف سوري».

 

والسؤال: هل الظروف الدولية والإقليمية والعربية مهيّأة لمثل هذا المشروع الكبير والخطير؟ سوريا هي غير لبنان بتركيبتها الطوائفية، العرقية، الاجتماعية الأكثر تعقيداً، ومساحتها أكبر بكثير من مساحته، ويكفي أنّ لها حدوداً مع أربع دول، وخصوصاً مع دولتَين إقليميّتَين: إسرائيل وتركيا تعتبران أنّ لهما مصالح استراتيجية ذات طابع عسكري واقتصادي، لا يمكن التخلّي عنها، وأنّ الوضع الراهن يلائمهما إلى حين نضوج الأمور، وتنجلي الصورة على إيقاع التجاذب العربي – الإسرائيلي حول مآل القضية الفلسطينية و»حل الدولتَين».

 

وعلى رغم من أنّ الحكم الجديد استخدم القوة الأكثر من مفرطة مع العلويِّين، فإنّ القوة لا تُنتِج حلاً، ولا تُقدِّم بديلاً عن الحال الصعبة التي تسود سوريا، لأنّ هناك خشية حقيقية من أن تنتقل عدوى الخوف إلى أقليات أخرى دينية كانت أو عرقية، وأن يستثمر الخارج في هذا الخوف وأن تتحوّل مناطقها محميات له تُنفّذ «أجندته» على حساب استقرار سوريا وأمنها.

 

من هنا، فإنّ القراءة السليمة للأحداث تقود إلى استنتاج أكيد، وهو أنّ ما يحصل في الساحل السوري ليس معزولاً عن حالات مماثلة تجري في مناطق أخرى، وإن بوتيرة أقل لتفاوت المعطيات الميدانية والموضوعية، وبالتالي يجب النظر إلى الموضوع من زاوية أوسع ومقاربته بواقعية، لئلّا تنزلق الأوضاع إلى حرب داخلية تطول، تكون سوريا الموحّدة هي الخاسر الأكبر فيها.

 

وترى جهات دولية وعربية أنّه يجب اختصار الوقت والذهاب إلى الحل السياسي بمشاركة مكوّنات الشعب السوري كافة، وعدم إقصاء أي منها تحت أي ذريعة، للعبور إلى واحة السلام المنشود في ظل نظام ديموقراطي يُوفّر المشاركة وتكافؤ الفرص، ويكفله دستور منبثق من هيئة وطنية تتمثل فيها كل المكوّنات. لم يَعُد هناك وقت لمزيد من الوقت لأنّ كرة النار السورية لا تتدحرج في الساحل فحسب، بل إنّها تتنقل من منطقة إلى أخرى، ممّا يقتضي التصدّي للمخاطر التي تُهدّد سوريا في صميم وجودها.

 

المطلوب إذاً: «طائف سوري» برعاية دولية – إقليمية – عربية، وجاءت استعارة العنوان بغرض الإشارة إلى إمكان الاقتداء بالنموذج اللبناني الذي ظلّ ثابتاً، وقادراً على حماية الاستقرار الداخلي في البلاد على نحو مقبول ومُرضٍ، ما يعني أنّ هذا المؤتمر المنشود يمكن أن يُعقد في سوريا أو أي عاصمة عربية أو أجنبية. المهم أن تُنقَذ سوريا الموحّدة، لأنّ فيها غير برميل بارود يمكن أن يكون لانفجاره تردّدات لا حصر للأضرار التي يُخلّفها

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى